في ذكرى النكبة

02:25 صباحا
قراءة 3 دقائق
نبيل سالم

بعد أيام تكون النكبة الفلسطينية في عام 1948 قد طوت تسعة وستين عاماً كاملاً من معاناة الشعب الفلسطيني، الذي ذاق الأمرين على يد حثالة الفكر الصهيوني العنصري ومجرميه الذين جمعتهم الحركة الصهيونية العنصرية من مختلف أصقاع الأرض، لتشكل منهم رأس حربة ليس لاحتلال فلسطين وحسب، وإنما لإقامة قاعدة متقدمة للاستعمار والإمبريالية العالمية في منطقتنا العربية، بغية تفتيتها، ومحاصرة أي مشروع نهضوي عربي، يهدف إلى إخراج الأمة من سباتها، وإعادة الحياة إليها، بعد ان أنهكتها سنوات القهر الاستعماري الغربي بمختلف أشكاله.
تسعة وستون عاماً كاملاً، على إعلان إقامة الكيان الصهيوني في الخامس عشر من مايو/أيار عام 1948، مدة زمنية طويلة، مضت، وأمتنا العربية ومعها الشعب الفلسطيني، تعاني من أبشع أنواع التسلط والعدوان على يد الصهاينة وداعمهم من القوى الغربية الاستعمارية.

وعلى الرغم من أن يوماً واحداً لم يمر من دون سقوط شهيد أو جريح فلسطيني أو عربي على خلفية هذا الصراع الدموي التاريخي، إلا أن حصيلة ما نتج عن المقاومة المشروعة للاحتلال الصهيوني، تبقى متواضعة أمام حجم ما قدم ويقدم من تضحيات جسام.

فلا المقاومة المسلحة آتت أكلها كما يجب، ولا محاولات السلام أثبتت جدواها، والسبب في ذلك ليس بخل الشعب الفلسطيني في تقديم التضحيات الكافية للتخلص من نير الاحتلال، ولا هو قصور في الفكر السياسي الفلسطيني، وإنما هو حالة الانقسامات الحزبية والسياسية التي، عاشتها الساحة الفلسطينية، حيث تشتت النضال الفلسطيني المسلح، بين عديد التيارات السياسية، واختلطت الأزمات الفلسطينية الداخلية، بالأزمات المزمنة بين الدول العربية، التي ومع الأسف، حاولت كل واحدة منها استخدام الورقة الفلسطينية، في ساحة المزادات السياسية، الأمر الذي انعكس سلباً على الوضع الفلسطيني، بل وقاد في بعض الأحيان إلى صدامات مسلحة فلسطينية فلسطينية، أو فلسطينية عربية، كما هو الحال في أحداث أيلول/سبتمبر في الأردن عام 1970 والحرب الأهلية اللبنانية، زد على ذلك عدم توافق المنظمات الفلسطينية على برنامج نضالي موحد، وتنوع الإيديولوجيات السياسية والفكرية، من أقصى اليسار إلى اليمين، وتعدد الولاءات الحزبية، ما أثر على قدرة الفلسطينيين العسكرية في مواجهة الاحتلال، رغم البطولات النادرة التي أبلاها الفدائيون الفلسطينيون خلال مرحلة العمل العسكري المسلح، التي تراجعت كثيراً إن لم نقل توقفت في أعقاب انخراط منظمة التحرير الفلسطينية، والعرب عامة في مشاريع التسوية «السلمية». لكن اللافت أن من ذهب إلى التسوية لم يمتلك أي مشروع واضح، رغم العناوين العريضة التي قد يقال إنها تمثل إجماعاً عربياً أو فلسطينياً، كالقبول بفكرة حل الدولتين أو ما شابه، ناهيك عن أن إسقاط الخيار العسكري من أجندة منظمة التحرير الفلسطينية، كما أراد البعض من أجل دخول التسوية، قذف بالقضية الفلسطينية إلى متاهات، ومفاوضات عبثية، استغلها الكيان الصهيوني لتثبيت احتلاله للأرض العربية، وزرع المزيد من الألغام داخل الصف الفلسطيني، وهي ألغام قادت إلى الانشقاق الفلسطيني المؤسف، الذي يعيق كل مسارات الكفاح الوطني الفلسطيني.
وأمام هذا الواقع، تبدو الذكرى التاسعة والستون للنكبة الفلسطينية، مناسبة لتقييم العمل الوطني الفلسطيني، بهدف استخلاص الدروس والعبر، من تلك العقود القاسية والمؤلمة التي عاشها الشعب الفلسطيني، بل والعرب جميعاً، بسبب الصراع العربي الصهيوني، وتداعياته الكثيرة على المنطقة كلها.
وأول الدروس هي أهمية المشاركة الشعبية الكبيرة في تحديد المسار السياسي للقضية الفلسطينية، وتوجيه النضال الفلسطيني وتصويبه، بالعودة إلى الثوابت الوطنية، وإعادة إحياء دور منظمة التحرير على الأسس التي قامت على أساسها، وهي مقاومة الاحتلال بكل السبل والوسائل، بما فيها الكفاح المسلح، من أجل تحقيق الأهداف الوطنية المشروعة للشعب العربي الفلسطيني، وإعادة القضية الفلسطينية إلى موقعها الطبيعي كقضية محورية لا تهم الفلسطينيين وحدهم وإنما العرب جميعاً، لأنها قضية مصير، وليست قضية خلافات على حدود هنا أو هناك، أو مصالح قطرية ضيقة.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"