عادي
ألف حكاية وحكاية من التراث العربي

سيرة بني هلال.. البطولة والشجاعة في كل مكان

04:06 صباحا
قراءة 3 دقائق
الشارقة: محمدو لحبيب

حين يتحدث المرء عن السيرة الهلالية أو ما يعرف بتغريبة بني هلال، فهو يبحث في تاريخ من الحكايات الشعبية التي لا تهتم كثيرا بتأصيل تاريخي لأحداثها، بقدر ما تهتم بإبراز وتفعيل قيم مجيدة كالبطولة والشجاعة، ومواجهة الأهوال من أجل نصرة الخير.
وحين يتحلق الناس في النجوع والقرى في عدة مناطق من الوطن العربي، ليسمعوا في كل ليلة نفس الحكاية الهلالية، فهم عندئذ لا يعبرون عن نمطية وتبلد معين ناتج من اجترار نفس الحكاية، لكنهم على العكس من ذلك يعبرون بفعلهم ذلك، وبإنصاتهم وتفاعلهم مع الراوي لتلك السيرة، عن حيوية عارمة في تمسكهم بتلك القيم الأخلاقية والصفات النادرة التي يحتاجها عصرهم وتتطلبها مقاومتهم لصعوبات الحياة والمعيشة.
تعد السيرة الهلالية إحدى أعظم حكايات التراث العربي التي جسدت نفسها وما تزال ضمن التراث اللامادي الباقي في المخيلة العربية حتى اللحظة، وتشكل تلك السيرة ملحمة طويلة تغطي مرحلة تاريخية تمر على هجرة بني هلال، وتمتد لتشمل تغريبتهم وخروجهم من ديارهم من عالية نجد إلى تونس، وتبلغ السيرة نحو مليون بيت شعر.
يتمحور موضوع السيرة الهلالية حول حكاية الحلف الهلالي المكون من قبائل نجد المقاتلة والمدافعة عن قيم الأمة وشرفها، وتشير السيرة إلى «هلال» الجد البعيد الذي تنتسب له القبيلة المحاربة قبيلة «بني هلال» هو أحد رجال الإسلام الذين أبلوا بلاء حسناً في الدفاع عن الرسول صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك - هذا ما تذكره السيرة، وإن كان غير صحيح بحسب المصادر التاريخية -، فاستحق هلال بذلك التمجيد، ونال نسله فخر البطولة وشرف الفروسية، واللحظة الدرامية التي تبدأ فيها السيرة، هي التي يكون فيها فارس بني هلال المغوار «رزق بن نايل بن جرامون بن عامر بن هلال»، حامي حمي الحلف الهلالي، وعبر أحداث متعددة، يتزوج «رزق» من «خضرة الشريفة» ابنة الأمير «قرضة الشريف» حامي الحرمين وحامل مفتاح الروضة الشريفة، وينجب منها «أبو زيد الهلالي سلامة»، ليكون بذلك جامعاً لطرفي المجد، فهو بذلك شريف من نسل النبي يأخذ ويرث من ناحية أمه الحكمة والعلم، ومن ناحية أبيه مجد البطولة وعنفوان الفروسية كما تروي السيرة، وفي موقف تراجيدي تتصاعد ينكر رزق نسب ابنه أبو زيد ويتهم أمه خضرة بالزنا ويطردها من مضارب القبيلة هي وابنها الذي لم يتجاوز سبعة أيام، فتربيه أمه على الفروسية من صغره بعد أن تلجأ لحاكم مدينة العلامات الملك فاضل الزحلاني، وتظهر على أبي زيد علامات النبوغ وهو طفل صغير، ويستطيع في طفولته أن يخوض صراعا مع بنى عقيل أعداء أهله بني هلال، فيستعين مشرف العقيلي عليه بعدد من فرسان بني هلال، ومنهم عمه الأمير عسقل الذي ساهم في طرد خضرة الشريفة من مضارب الهلالية، ويحارب أبو زيد فرسان الهلالية، ويقتل عمه الظالم عسقل ويأتي لأمه بحقها بعد أن يعنف أباه الأمير رزق بن نايل، ويحكم على بني هلال بأن يعيدوا أمه خضرة الشريفة على بساط من حرير تأكيدا لبراءتها.
وينبري أبوزيد بعد عودته لبني هلال ليقاتل العدو الأجنبي الممثل في اليونانيين الذين هاجموا الأراضي العربية، وتتوالى مغامراته ويخوض تغريبة طويلة مع بني هلال عندما يرحلون غرباً بحثاً عن المرعى بعد ثماني سنوات من الجفاف، ثم يرحل إلى تونس ومعه أبناء الأمير حسن مرعي ويحيى ويونس، وتتوالد القصص الفرعية من رحم القصة الهلالية الأم، حيث يقتل مرعي وتظهر قصة حب يونس لعزيزة، والصدام الكبير بين أبي زيد وحاكم تونس الزناتي خليفة، وتقوم الحرب بين بني هلال وحلفائهم قبائل الزغابة من جهة، وبين بني قابس بزعامة الزناتي وأشجع فرسانه المسمى بالعلام من جهة أخرى، بعد أن رفض الزناتي أن يحصل بنو هلال على المرعى في أراضيه، لينال جزاءه مقتولا على يد دياب بن غانم كما تنبأت سعدى الزناتي.
وتوجد السيرة الهلالية كشكل مطبوع في خمسة كتب، يضم الأول حكاية خضرة الشريفة ومأساة رزق بن نايل بن هلال، ويتناول الثاني حكاية «أبو زيد في أرض العلامات»، أما الثالث فيتناول «مقتل السلطان سرحان»، ويتناول الرابع خوض أبو زيد الأهوال ليعود بالفرس التي حكت عنها الأجيال، ويروي الخامس كيف أسرت عالية أبا زيد بجمالها. وبرغم أن السيرة الهلالية معروفة الشخوص إلا أن توظيف هذه الشخوص وأدوار البطولة في السيرة تختلف في المروي من منطقة إلى أخرى، ففي شرق الوطن العربي يكون بطل السيرة هو أبو زيد الهلالي سلامة، أما في بلاد المغرب فيصبح الزناتي خليفة، بينما يكون في الجنوب ذياب بن غانم.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"