استراتيجية حرب بلا نصر أو هزيمة

03:27 صباحا
قراءة 3 دقائق
استراتيجية النصر في أفغانستان التي أعلنها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، تحوى كل شيء إلا الاستراتيجية، وتضمن تحقيق أشياء كثيرة ليس من بينها النصر. ومع ذلك يجب ألاَّ يلومه أحد؛ لأنه ليس أول من يسير على هذا الدرب. أوباما طرح استراتيجية بدأت بوعد الانسحاب الكامل وانتهت بقرار البقاء. وبوسع ترامب أيضاً أن يعلن النصر وقتما يشاء، بصرف النظر عن الأوضاع على الأرض. وقد سبقه إلى ذلك بوش، الذي أعلن 7 مرات بين أعوام 2002 و2005، أنه هزم طالبان، بينما تسيطر الحركة حالياً على نحو 57% من الأراضي الأفغانية.
من يؤيد ترامب ومن يعارضه يعرف جيداً أنه لا مجال لتحقيق نصر حاسم في أفغانستان، وأول هؤلاء هم رجال الجيش أنفسهم. غاية ما يمكن أن تحققه الخطة الأمريكية الجديدة، هو تحسين الأداء، ووقف تقدّم طالبان، وإنقاذ الحكومة القائمة في كابول من الانهيار.
هذه ستكون أفضل نتيجة ممكنة من وجهة نظر خبراء كثيرين، مثل سيمون ريتش، أستاذ الشؤون الدولية في جامعة روتجيرز الأمريكية. ويرى ريتش أن تلك المحصلة ستتحقّق بفعل زيادة القوات، ومنح القادة الميدانيين حرية العمل دون قيود، والتحلّل من الالتزام بموعد محدد للانسحاب.

ويعتقد ريتش أن جيمس ماتيس، وزير الدفاع، يدرك بوضوح تام حدود القوة العسكرية التي لم تحسم الصراع في الماضي، ولن تحسمه هذا المرة أيضاً. يدرك ماتيس حقيقية أخرى، هي أن محاولات ترامب لجمع الهند وباكستان في تعاون مشترك داخل أفغانستان، هي محاولة محكوم عليها بالفشل.
وقد فعلت إدارة أوباما نفس الأمر وأخفقت عام 2009؛ بل قد تؤدي المحاولة لنتيجة عكسية بفعل الرد الانتقامي المتوقع من باكستان، والذي قد يشمل قطع طرق الإمدادات الأمريكية عبر أراضيها.
نفس النتيجة ذهب إليها صحفي مخضرم هو ديفيد اجناتيوس، الذي كتب في «نيويورك تايمز» مؤكداً أن أقصى ما يتوقعه العسكريون هو منع الهزيمة وليس تحقيق النصر المظفّر، وأي نظرة واقعية للماضي وللخريطة الحالية ستقود إلى هذا الرأي.
أما لماذا لا ترقى خطة ترامب إلى مكانة الاستراتيجية الشاملة، فقد تصدى لذلك كثيرون فنّدوا بنودها بالتفصيل، ولعل أدقهم كان لورانس كورب، الباحث في مركز أمريكان بروجرس، والمساعد السابق لوزير الدفاع الأمريكي. خلاصة رأي هذا الخبير نشرها في مجلة ناشيونال انترست، وبدأها بالقول إن الهدف الذي حدّده ترامب هو تحقيق النصر، إلا أن الخطة لا تذكر شيئاً تقريباً عن كيفية تحقيقه، وما هو الهدف بالضبط، هل هو استسلام «طالبان» و«القاعدة» و«داعش»؟. وإذا كانت واشنطن وحلفاؤها لم يحققوا هذا الإنجاز طوال 16 عاماً من الحرب، فما الذي يضمن تحقيقه الآن؟.
وتثير زيادة حجم القوات تساؤلاً مهماً أيضاً، حول طبيعة المهمّة الجديدة، وهل تختلف عما سعى إليه 140 ألف جندي، أرسلهم أوباما بين 2010 و2011.
لا يوجد ما يضمن تحسّن الوضع على الأرض بعد تلك الزيادة المرتقبة، بل قد يحدث العكس في ظل تحلّل القادة الميدانيين من أي قيود تكبّل تحركاتهم وعملياتهم، وهو أمر ليس له إلا نتيجة واحدة هي سقوط مزيد من الضحايا المدنيين، ومن ثم شحن النفوس للانتقام.
السؤل المهم أيضاً هو كيف يطمح ترامب إلى تحقيق انتصار كبير يستلزم إنفاقاً ضخماً، بينما هو مَنْ قرّر إجراء استقطاعات كبيرة في ميزانية وزارة الخارجية، والمساعدات الخارجية لعام 2018، ومع ذلك يمكن لترامب أن يراهن على خطته الجديدة، وهو محق عندما يقول إنها ستمنع خسائر جسيمة كانت يمكن أن تلحق بالأمن القومي لبلاده. لن تنهزم أمريكا في أفغانستان هذا صحيح، ولكنها لن تنتصر أيضاً.


عاصم عبد الخالق
[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"