حزب أوغلو يضيف ثِقلاً للمعارضة

02:55 صباحا
قراءة 3 دقائق
محمود الريماوي

إعلان رئيس الوزراء التركي الأسبق أحمد داود أوغلو، تشكيل حزب جديد باسم «المستقبل»، الذي تم، يوم الجمعة الماضي، كان متوقعاً، وقد سبق لأوغلو (61 عاماً)، أن توجّه بانتقادات إلى أداء حزب «العدالة والتنمية» الحاكم في الوقت الذي كان فيه عضواً قيادياً في الحزب، ودعا للقيام بمراجعة تصحيحية، كما أدار حواراً مباشراً مع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان حول المشكلات التي تجابه الحزب، وحول انحرافه عن أهدافه المعلنة،وكانت النتيجة أن الرجل تم فصله من الحزب، والتشهير به، بما يزكّي الانتقادات التي وجهها، والتي ثبتت صحتها، التي تدور حول الفردية الطاغية، والاستئثار بالسلطة؛ عبر النظام الرئاسي، والتضييق على الحريات العامة، لدرجة التضييق على بعض أعضاء الحزب أنفسهم، ومنهم من انضم إلى الحزب الجديد برئاسة أوغلو.
وقد جاءت الانتخابات المحلية في نهاية مارس/آذار الماضي، وما أسفرت عنه من انحسار التأييد للحزب الحاكم مع خسارة المدن الكبرى: أنقرة وإسطنبول وأزمير؛ لتؤكد تراجع حزب «العدالة والتنمية»، وانفضاض الكتل الشعبية عنه. والأهم خلال ذلك أن الحزب بات يشهد تململاً في داخله؛ نتيجة إدارته بصورة مركزية متشددة، مع ابتعاد شخصيات وازنة في صفوفه، عنه؛ مثل: علي بباجان نائب رئيس الوزراء سابقاً، والرئيس السابق لمجلس التعليم العالي يوسف ضياء أوزكان، ومدير الأمن السابق مولود ديمير، والرئيس السابق لحزب «العدالة والتنمية» في إسطنبول سليم تيمورجي إلى جانب آخرين، وقد انضم بعض هؤلاء إلى الحزب الجديد برئاسة أوغلو. ولم يتردد الأخير في الإعلان بأن حزب «المستقبل» يرمي إلى معارضة سياسة «عبادة الشخصية» في إشارة غير خافية إلى حزب «العدالة والتنمية» الذي يقوده أردوغان.
ومن المنتظر أن تعمد شخصيات أخرى؛ بينها: بباجان، ورئيس الدولة السابق عبدالله غل، إلى إنشاء حزب آخر؛ وذلك وفقاً لتصريحات ومواقف منسوبة لهما حول مستقبلهما السياسي. مما يقود إلى انشطار حزب «العدالة والتنمية» إلى عدة أحزاب، ويفقد الحزب الأصلي المزيد من شعبيته. وفي حال تمت عرقلة إجراءات منح حزب «المستقبل» شهادة الترخيص القانوني، فسوف يؤدي ذلك إلى المزيد من النقمة والتململ في أوساط حزب «العدالة والتنمية».
والثابت أن حزب أوغلو سوف يضيف الكثير إلى المعارضة؛ باصطفافه إلى جانبها، بما يغيّر من المعادلات السياسية القائمة، وبما يمنح قوى المعارضة، وبالذات المعارضة المستقلة غير الحزبية، دفعاً معنوياً، ومزيداً من المصداقية، وبما يضع الحزب الحاكم في عزلة لا سابق لها؛ وذلك نتيجة الاستئثار بالحكم، واستغلال نتائج صناديق الاقتراع، للعودة بالبلاد إلى الوراء، إلى زمن الديكتاتورية السابق، والفرق الوحيد بين العهدين أنه يتم الاستعاضة عن الديكتاتورية العسكرية بأخرى مدنية ذات منحى ديني.
ويسترعي الانتباه أنه قبل الإعلان عن إنشاء حزب «المستقبل» بأسابيع، فقد عمدت السلطات إلى إثارة زوبعة حول إحدى الجامعات الخاصة؛ وهي: جامعة «إسطنبول شهير» التي يمتلكها أوغلو بصفته الأكاديمية؛ وحيث تمتع بتسهيلات؛ لحيازة أرض الجامعة، وفقاً لقوانين نافذة في بلاد الأناضول، والآن يراد نزع ملكية الأرض من حائزيها. ومن الواضح أن القيام بإثارة هذه القضية في هذا التوقيت، يحمل طابع الكيد السياسي أكثر من كونه نزاعاً قضائياً.
وواقع الحال أن افتعال مثل هذه المشكلات، وخلافاً لتقديرات السلطات، سوف يمنح أوغلو وحزبه الجديد، مزيداً من التعاطف والتأييد في أوساط الرأي العام، وحتى في قاعدة حزب «العدالة والتنمية» نفسه؛ إذ إن هذه القاعدة عرفت أوغلو داعية للتصحيح والتجديد، وسبق أن محض النصح لقيادة الحزب؛ لكن هذه الأخيرة أصمّت الآذان، وأغلقت فرص الحوار أمامه، وأمام كل ما يمثله من نزعات بناءة، ومن روح ديمقراطية حقة، لتنتهي به الحال خارج الحزب، وليفسح له المجال في الوقت ذاته أن ينشئ حزباً جديداً يستلهم بعض المبادئ التي قام عليها حزب «العدالة والتنمية» ويضيف إليها من واقع تجربته وخبرته، ومن تمسكه بالعلمانية الدستورية، وحق تيارات المجتمع في تمثيل نفسها والتعبير عن وجودها بغير تضييق أو مصادرة. والأسابيع المقبلة حبلى بلا شك بتطورات ذات شأن في الخريطة السياسية والحزبية.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

كاتب ومعلق سياسي، قاص وروائي أردني-فلسطيني، يقيم في عمّان وقد أمضى شطرا من حياته في بيروت والكويت، مزاولاً مهنة الصحافة. ترجمت مختارات من قصصه إلى البلغارية والإيطالية والإنجليزية والفرنسية

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"