روسيا وتعقيدات الأزمة السورية

04:27 صباحا
قراءة 4 دقائق

من الصعب في اعتقاد الكثير من المحللين أن نقوم بإجراء مقاربة حيادية للأوضاع العربية في هذه المرحلة الراهنة، لاسيما في ضوء التطورات الجارية حاليا في منطقة الشرق الأوسط على خلفية أزمة الحكم في مصر وما يتصل بها من فتاوى الإخوان وجماعات الإسلام السياسي من جهة، والاستقطاب الطائفي في لبنان والعراق، والمحنة أو الفتنة الكبرى التي يعايش فصولها الدامية الشعب السوري في أرض الشام من جهة أخرى . وفي خضم هذه الانقلابات الكبرى الجارية التي باتت تؤثر بشكل حاسم في الأمن القومي العربي، يتم الحديث في كل مناسبة عن طبيعة العلاقة التي تربط روسيا الفيدرالية بالنظام السوري الحالي، وتشتط المواقف وتحتدم بشكل لافت بين من يستنكرون هذا الحلف الصامد في وجه كل الأحداث التي تعصف بالمنطقة، إذ يرون أنه قائم على حساب معاناة السوريين، وبين من يرون في هذه العلاقة الاستراتيجية استبسالاً ومقاومة في وجه كل المحاولات التي تهدف إلى كسر ما بقي من توازنات هشة ومتواضعة في وجه مخططات الهيمنة الغربية والأمريكية .

وتكمن صعوبة مقاربة العلاقة السورية- الروسية في أن قسماً كبيراً من الإعلام العربي ومن ورائه جماعات الإسلام السياسي المتطرف وفقهائه، باتوا ينظرون إلى الأرض السورية على أنها أرض جهاد، وكل من لا يتخذ موقفاً شديداً ومتصلباً من النظام الحاكم في دمشق، ومن العلاقة الوطيدة التي تربطه بالكرملين، هو مدافع بشكل أو بآخر عن نظام الأسد . وتحرم هذه القطبية التي تكاد تشبه في بعض جوانبها وأبعادها المعيارية ثنائية الحلال والحرام! الكثير من المتتبعين من رؤية الأمور على حقيقتها المركبة والمعقدة التي تفصح من خلال وضعيتها الرمادية عن مقدار التخبط والضبابية التي تميز مواقف كل الأطراف الفاعلة والمؤثرة في الأزمة السورية .

لقد عادت مسألة العلاقة بين روسيا وسوريا لتتصدر المشهد السياسي والإعلامي في المنطقة العربية بعد انعقاد قمة الدول الثماني في إيرلندا، التي قاوم خلالها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين كل المحاولات الغربية الهادفة إلى إعطاء غطاء دولي لعملية تسليح المعارضة السورية، وذكّر نظراءه في المجموعة، بالفوضى التي حدثت في العراق نتيجة انهيار الدولة وتفكيك المؤسسة العسكرية، حيث إنه من غير المستبعد في اعتقاده أن تستغل المجموعات المتشددة السلاح الذي يصل إلى سوريا من أجل الاقتتال الداخلي قبل أن يتحول، في مرحلة لاحقة، إلى أداة لتهديد الاستقرار والأمن الدوليين . وبالتالي فإن الروس يركزون في حملتهم الدبلوماسية على محاولة إقناع واشنطن دون الأخذ في الحسبان المواقف الأوروبية، وتحديداً الفرنسية والبريطانية منها، التي تستند إلى اعتبارات وخلفيات تؤثر فيها العوامل المرتبطة بالماضي الاستعماري للقارة العجوز .

ويرى بعض الخبراء في مجال السياسة الدولية أن روسيا تستميت في الدفاع عن سوريا ونظامها الحالي الذي يوفر لها قاعدة بحرية فريدة من نوعها على مستوى كل المنطقة العربية، حتى لا تجد نفسها مضطرة إلى الدفاع عن حدود جغرافيتها السياسية في إيران التي تمثل بعداً استراتيجياً في غاية الأهمية بالنسبة إلى الأمن القومي الروسي . ويذهب الخبير ألكسندر غولتس إلى أن الصراع في سوريا يتم النظر إليه من طرف المسؤولين الروس على أنه مؤامرة دبرتها أجهزة المخابرات الغربية، وأن القوى الغربية تسعى إلى تغيير الخريطة الجيوسياسية العالمية، ومن ثمة يجب مقاومة هذا المسعى بكل الطرق والوسائل . وبالتالي فإن روسيا أرادت في اعتقاد بعض الملاحظين من خلال اقتراح حلول قواتها محل قوات حفظ السلام النمساوية في الجولان،أن تؤكد لخصومها أنها مازالت في موقف قوة في المنطقة، من منطلق اعتمادها على محورها الحالي المتكون من إيران وسوريا والعراق وحزب الله اللبناني . كما أرادت روسيا من خلال الخطوة نفسها أن توضّح أنها لن تمر في المرحلة المقبلة، لا عن طريق واشنطن ولا الأمم المتحدة ولا حتى عن طريق إسرائيل، من أجل نقل قواتها إلى المنطقة؛ وأنها ستتدخل عن طريق حليفها السوري، حتى ترد على خطوة واشنطن الأخيرة التي قامت من خلالها بنقل جزء من القوات الأمريكية إلى الأردن من أجل إجراء مناورات عسكرية في المنطقة . وتصر روسيا في السياق نفسه على إتمام صفقة صواريخ إس300 مع سوريا رغم المعارضة الإسرائيلية الشديدة، فقد أكد وزير الحرب الصهيوني موشي يعالون أن إسرائيل تعرف ماذا يجب عليها أن تفعل في صورة إذا ما تم تسليم هذه الصواريخ إلى سوريا .

وقد أدى هذا التحالف الروسي مع النظام القائم في دمشق إلى إثارة حفيظة بعض الأطراف الإقليمية التي تدعم المعارضة، والتي ترى في بقاء نظام الأسد تهديداً للأمن والاستقرار في المنطقة؛ كما يثير هذا الموقف الروسي حنق وامتعاض بعض التيارات السياسية التي تطمح إلى تعميم نموذج حكم الإخوان في مصر على مستوى كل دول الربيع العربي، بينما تشير تقارير أخرى إلى أن روسيا ترى في دعم بعض الأطراف للمسلحين في سوريا امتداداً لدعمهم للمقاتلين الانفصاليين في الشيشان .

ويمكن القول في كل الأحوال إن العلاقة ما بين روسيا وسوريا باتت تتجاوز في الظرف الراهن مستوى العلاقة الثنائية بين دولتين، لتصبح جزءاً لا يتجزأ من لعبة التوازنات الدولية، ومن المحزن في كل الأحول أن تتحول الأرض السورية إلى مسرح عبثي، تصفّي فيه الأطراف الإقليمية والدولية حساباتها، وبخاصة في هذه المرحلة التي اختلط فيها الحابل بالنابل؛ ولم يعد بالإمكان أن يُفسّر فيها كل دعم للمسلحين على أنه دعم للشعب السوري، مثلما أنه لم يعد ممكناً في اللحظة نفسها، قراءة كل رفض لهذا الدعم على أنه إقرار بشرعية نظام الأسد، فهناك من يعارض النظام لكنه يرفض أن تسقط سوريا بين مخالب القوى المتشددة التي تريد أن ترسم مستقبلاً شديد الظلمة والسواد للمنطقة . ومن ثمة فإن الانقسام والاستقطاب المتصاعد بشأن العلاقات الروسية - السورية، يأتي في مرحلة لم يعد فيها مجال للحديث عن أمن قومي عربي مشترك، بعد أن بتنا جزءاً مهملاً في تفاصيل لعبة المحاور الدولية، وأصبحنا أشبه ما نكون بشخص يستجير من الرمضاء بالنار .

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

أستاذ الفلسفة في جامعة وهران الجزائرية، باحث ومترجم ومهتم بالشأن السياسي، له العديد من الأبحاث المنشورة في المجلات والدوريات الفكرية، ويمتلك مؤلفات شخصية فضلا عن مساهمته في تأليف العديد من الكتب الجماعية الصادرة في الجزائر ومصر ولبنان

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"