كلمة سلطان . . دلالات وتأويلات

00:35 صباحا
قراءة 3 دقائق
محمد عبدالله البريكي
كلمة صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة، حفظه الله، في لقائه بالمشاركين في مهرجان الشارقة للشعر الشعبي في دورته 11 كلمة فكرية تنويرية عميقة المعنى، كثيرة الدلالات عظيمة الفائدة ذات رؤية مستقبلية واضحة، ولذلك فليس من الطبيعي أن تمر من دون التوقف عندها وتسليط الضوء عليها، كل حسب مجاله ومكانه، فقد أخذت هذه الكلمة من الماضي التجربة، ورسمت لما هو آت من الأيام، ليسير الأدب والشعر في طريق ممهد مضيء .
من النقاط المضيئة في كلمة سموه حديثه عن تسمية الشعر النبطي بهذا الاسم، وقد سادت في فترة قريبة جدلية تسمية الشعر النبطي وتأويلات هذه التسمية والاختلاف حولها وذهب البعض إلى ترجيح رأي على رأي مغاير، لكن سموه سرد شرحاً تاريخياً طويلاً متصلاً وشيقاً، وبيّن فيه هذا الجانب بالوقائع ومال إلى الأنباط حين قال: وفي رحلة عودتهم إلى مكة حملوا قصائدهم التي سميت بالنبطية، وبرزت مكة في تلك المرحلة على أنها مكان التقاء القبائل العربية، وأن تكوين مكة أقرب للفصيح، وتميزت بأسواقها مثل سوق عكاظ الذي كان يجتمع فيه الشعراء، فحار الشعراء وتساءلوا هل يكتبون قصائدهم بالفصحى أم بالنبطي، حتى جاء القرآن الكريم باللغة العربية الفصيحة، إضافة إلى السنة الشريفة والفتوحات الإسلامية التي أسهمت جميعاً في ترسيخ اللغة العربية الفصيحة وسيادتها، وانزوى الشعر النبطي .
وفي حديث سموه هذا دليل آخر وقوي على أن هذا الإرث العربي ليس حديث العهد، إنما هو امتداد طويل مع التاريخ والعرب، امتد كما أشار سموه إلى 600 سنة قبل الميلاد ومئة بعده، ويستشف من حديث سموه الطويل عن هذا الشعر اهتمامه به، وأنه يعتبره جزءاً لا يتجزأ من حاضر هذه الأمة، ويؤكد أثر هذا الموروث وهوية الإنسان المرتبطة بوطنه وأمته .
في حديث سموه تأكيد آخر على أهمية اللغة العربية، وأنها تمثل لسموه هاجساً دائماً لا يكاد يفارقه، فهو العربي المفتخر بلغته والخائف عليها في آن واحد، ولذلك فإن من يتابع أحاديث سموه يجده كثير التركيز على الاهتمام بهذه اللغة لأنها الحضارة والحاضر والمستقبل .
من الجوانب المضيئة الأخرى في كلمة سموه تأكيده على الاهتمام بالكيف لا بالكم، فالثقافة لا تعني كثرة ما يطبع أو ما يقدم بقدر ما يعطي من نتاج فكري يؤتي أكله كل حين، فكم من كتب آلت إلى أرفف المكتبات وأكل الغبار عليها وشرب، وكم من فعاليات يشارك فيها الكثير لكنها تنفر وتبعد الذائقة ويفقد الأدب معها أهميته وحضوره بين الناس، ولذلك طالب سموه الشعراء والمهتمين بهذا النوع من الفنون بألا يهتموا بالحجم على حساب المضمون والجودة .
والمتتبع لواقع الثقافة وما تحظى به من دعم كبير في شارقة سلطان يجد هذه المساحة الكبيرة التي تجعل كل الفنون تتنفس بأريحية وتتحرك بسلاسة، وهذا العطاء الكبير يحتاج إلى تقدير وفهم دقيق لرؤية سموه، وإلى مراجعة دائمة لما يقدم من نتاج فكري وأثره في المجتمع وفوائده التي تعود على الأمة، وليس مجرد تسجيل حضور قد يخرج الأدب من مولده بلا حمص، ولذلك كانت كلمة سموه واضحة في دعوته إلى تقييم القصائد المعروضة ونوعيتها، وإعطاء المبدعين الأولوية في نشر قصائدهم .
إن هذه الوقفة مع كلمة سموه ما هي إلا قراءة متواضعة وفهم بسيط لمعنى عميق قد أصل فيه إلى جزء بسيط من مغزاه، لكن محاولة الفهم أمر ملح ومطلب ضروري نظير ما يقدمه سموه من عطاء لا ينضب للثقافة والأدب والشعر والمسرح والتراث والفنون وغيرها .

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"