صفقة غاز تتحول إلى قضية رأي عام

05:19 صباحا
قراءة 4 دقائق
محمود الريماوي
تثير مسألة استعداد الأردن لاستيراد الغاز من الكيان الصهيوني ردود فعل منددّة لدى الأوساط السياسية والبرلمانية والنقابية . التنديد يذهب إلى أن توقيع اتفاقية طويلة الأمد (15 عاماً) حول مادة حيوية بل استراتيجية من شأنه بلورة واقع من الاعتمادية، يصل إلى درجة من التبعية مع كيان لم يتخل عن سياسته العدوانية والتوسعية رغم توقيعه اتفاقيتي سلام مع مصر والأردن . فيما تتحدث الحكومة الأردنية عن غياب البدائل، فقد انقطع المدد المصري بسبب ارتفاع حجم الاستهلاك المصري لهذه المادة لدرجة أن النتاج لم يعد يلبي الحاجات المحلية، علاوة على الاستهداف شبه الدائم لأنابيب الغاز المصرية المتجهة إلى الأردن . فيما يصل سعر وحدة الغاز القطري إلى 15 دولاراً، مقابل سبعة دولار ونصف الدولار عرضته على الأردن شركة أمريكية "نوفيل ايرجي" تستثمر في الغاز "الإسرائيلي" من حقل "لفيتان" في البحر الأبيض المتوسط . فيما الغاز الجزائري مُتعاقَد على بيعه لدول مختلفة لعشرة أعوام مقبلة .
الحاجة الأردنية للغاز تتمثل أساساً في حاجة شركة الكهرباء الوطنية لهذه المادة في انتاج الطاقة الكهربية، وقد ذهب وزير الطاقة الأردني محمد حامد للقول إن عدم توقيع الاتفاقية سيؤدي إلى وقف خدمة تزود الكهرباء لثماني ساعات يومياً، أو رفع أسعار استهلاك الكهرباء، أو الأمرين معاً، وأن هذه الصفقة توفر على الأردن مليار ونصف المليار دولار مقارنة بأسعار المصادر الأخرى .
غير أن تقارير "إسرائيلية" كشفت أن الاتفاقية هي ثمرة جهد أمريكي تولاه خصوصاً وزير الخارجية جون كيري، لخدمة أهداف استراتيجية أمريكية تتعلق بتعزيز "محور الاعتدال" في المنطقة . والحديث يدور الآن حول اتفاقية جرى توقيعها في السفارة الأمريكية في عمّان ولم تعد مجال بحث وتداول بين أطرافها . فيما تتحدث مصادر رسمية في وزارة الطاقة عن أن ما تم توقيعه هو خطاب نوايا مع شركة "نوبيل" الأمريكية المملوكة من طرف الشركة الأمريكية "نوفيل ايرجي"، الاتفاق تم مع شركة أمريكية تتولى شراء الغاز "الإسرائيلي" وإعادة بيعه للأردن . تنقل صحيفة "ذي ماركر" "الإسرائيلية" الاقتصادية المتخصصة عن مدير سياسات الطاقة الدولية في معهد واشنطن لسياسات الشرق الأوسط سيمون هندرسن قوله مؤخراً لمجلة "فورين بوليسي" إن "الغاز "الإسرائيلي" هو ذخر مهم للسياسة الخارجية .
"إسرائيل" تصنع معروفاً للولايات المتحدة عن طريق استخدام الغاز الطبيعي كأداة للاندماج الإقليمي والاندماج الاقتصادي بالتأكيد وربما السياسي" .
الحكومة تحاجج بأنها تتبع ما أمكنها ذلك تنويع مصادر استيراد هذه المادة الحيوية، وأن الحاجة الضاغطة هي التي دفعتها إلى هذا الخيار، مع خسائر متراكمة لحقت بشركة الكهرباء الوطنية وصلت إلى خمسة مليارات دولار . فيما يثير المعترضون وهم أكثرية الجسم السياسي والاجتماعي إلى أن الحكومات المتعاقبة لم تول استثمار مصادر الطاقة المحلية الاهتمام الذي يستحق بما في ذلك حقل الريشة شرق البلاد الذي يحتوي على احتياطات غازية هائلة، والذي ينتج بالفعل 28 مليون قدم مكعب يومياً تغطي ما نسبته عشرة في المئة من حاجة شركة الكهرباء الوطنية التي تستخدم في المقام الأول الديزل والوقود الثقيل لإنتاج الكهرباء، وكذلك استثمار الصخر الزيتي الذي يتوفر مخزونه بكميات هائلة (بالمناسبة الاستثمار الأمريكي بإنتاج البترول من الصخر الزيتي أسهم في خفض أسعار البترول عالمياً)، وأنه لا يعقل ألا يتوفر الأردن على مادتي البترول والغاز بكميات لغايات الاستهلاك المحلي، فيما تتوفر هاتان المادتان في الدول المحيطة: السعودية والعراق ومصر وسوريا . وأنه في حال ثبت غياب مصادر أخرى للتزود بالغاز فإن الجمهور مستعد لتحمل التبعات .
يذكر أن 78 نائباً من أصل 150 نائباً اعترضوا على توقيع الاتفاق وحذروا من تداعياته السياسية، ووصفوا الاتفاق بأنه هدية لحكومة نتناهو المتطرفة، وقد أجاب رئيس الحكومة د . عبدالله النسور على هذه التحذيرات بدعوة النواب المعترضين لإقناع أطراف عربية منتجة لبيع الغاز إلى الأردن بأسعار منافسة .
في هذه الأثناء تتحول المسألة إلى قضية رأي عام تتصدر اهتمامات الجمهور المسيس في الأردن . فلئن كانت "معاهدة السلام الأردنية - "الإسرائيلية"" الموقعة في عام 1994 تفتح الباب أمام التبادل التجاري بين الطرفين، إلا أن الطابع الاستراتيجي لاستيراد الغاز، والأمد الطويل للاتفاق (15 عاماً) يثيران اعتراضات جدية ومحاذير كبيرة، وذلك نظراً لتأثير مثل هذا الاتفاق على القرار السياسي للدولة، وهو ما لا تكتمه الأوساط الأمريكية الرسمية الراعية للاتفاق، أو التي تضع دولة الاحتلال في مصاف دول محور الاعتدال، وتعتبر التعاون معها تعزيزاً لهذا المحور .
خبراء عديدون في الأردن يعتبرون أن الأمور ما كانت لتصل إلى ما وصلت اليه، لو كانت هناك استراتيجة طاقة بعيدة المدى في مجال الاستكشاف والاستثمار والتطوير، وكذلك في مجال الإنفاق والاستهلاك، تلبي الاحتياجات وتسهم في التنمية المستدامة، مع أهمية اعتماد الشفافية وتبصير الجمهور بالإمكانات المتاحة وتلك الكامنة، بدلاً من إغراق الجمهور في تفاصيل فنية معقدة حول استخراج الغاز بكميات تجارية والاستثمار في الصخر الزيتي، والتلويح للجمهور بأن البديل لصفقة الغاز (الفلسطيني المسروق كما يسميه ناشطون معارضون) هو حرمان الجمهور من الكهرباء بنسبة كبيرة . علماً أن الطرف الصهيوني لم يستكشف الغاز بكميات كبيرة إلا في السنوات الأخيرة، فماذا لو لم يستكشفه . . هل كان الأردن سيصبح من دون مصدر مناسب للاستيراد منه؟
التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

كاتب ومعلق سياسي، قاص وروائي أردني-فلسطيني، يقيم في عمّان وقد أمضى شطرا من حياته في بيروت والكويت، مزاولاً مهنة الصحافة. ترجمت مختارات من قصصه إلى البلغارية والإيطالية والإنجليزية والفرنسية

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"