الصفصاف.. الشاهد والشهيد

03:05 صباحا
قراءة 3 دقائق
نبيل سالم

على الرغم من محاولات قادة الحركة الصهيونية، الذين شكلوا رأس الحربة في إقامة المشروع «الإسرائيلي»، تضليل الرأي العام وإنكار المجازر التي ارتكبت بحق الآمنين في فلسطين خلال حرب النكبة الفلسطينية عام 1948، فإن التاريخ يأبى إلا أن تكون له كلمته ولو بعد حين. فالحقائق التاريخية والذكريات المؤلمة التي حملها الفلسطينيون معهم، وشكلت جزءاً مهماً من الذاكرة الجمعية الفلسطينية، كانت على مدى الأجيال عماد التأريخ الفلسطيني للنكبة، والمظالم التي لحقت بالشعب الفلسطيني، في مؤامرة استعمارية كبرى.
فبعد واحد وسبعين عاماً، ها هي صحيفة «هآرتس» العبرية تكشف تفاصيل مجزرة نفذتها العصابات الصهيونية قبل قيام «إسرائيل» في قرية الصفصاف الفلسطينية في الجليل الأعلى خلال عملية أطلق عليها «حيرام»، وراح ضحيتها أكثر من خمسين مواطناً فلسطينياً.
وفي تحقيق نشرته الصحيفة «الإسرائيلية» مؤخراً، تضمن وثائق مرعبة عن مجازر وجرائم ارتكبتها العصابات الصهيونية ضد الفلسطينيين عام 1948 وبعده، ظلت الطغمة العسكرية «الإسرائيلية» تحجبها عن العالم.
وبحسب الوثائق المنشورة، فإن العصابات «الإسرائيلية» قيدت الفلسطينيين المدنيين في هذه المجزرة مع بعضهم البعض، ووضعتهم في حفرة وأطلقت النار عليهم، وسط توسلات النساء وطلبهن الرحمة. وبينت الصحيفة أن عشرات الجثث، وجدت أيضاً في قرية الصفصاف، لنساء تعرضن للاغتصاب، إحداهن طفلة لا يتجاوز عمرها أربعة عشر عاماً، وإن أصابع النساء الضحايا قطعت بطريقة وحشية وسادية لسرقة الخواتم الذهبية.
ويلفت تقرير «هآرتس» إلى أن عشرات المجازر ارتكبت على أيدي العصابات الصهيونية المسلحة آنذاك، إلى جانب عمليات السلب والنهب وتدمير القرى بالكامل بأوامر مباشرة من الإرهابي المعروف ديفيد بن غوريون.
كما أوضحت الصحيفة أن قسم الأرشيف السري في «وزارة الدفاع الإسرائيلية»، يحجب وثائق تاريخية، متعلقة بالنكبة عام 1948، وأن موظفي «مالماب»، القسم الأكثر سرية في «وزارة الأمن الإسرائيلية»، عملوا على إخفاء مئات الوثائق، في جزء من حملة منهجية لإخفاء أدلة النكبة، من جرائم العصابات الصهيونية والمجازر الجماعية التي ارتكبت عن سابق تصميم من قبل العصابات «الإسرائيلية».
وفي هذا السياق، تقول المؤرخة تمار نوفيك: إنها لاحظت خلال أبحاثها لتأريخ حقبة النكبة، أن «هناك أجزاء من المستندات، ضائعة وأوراقاً منزوعة لإخفاء هوية مرتكبي الجرائم».
وتنقل «هآرتس» عن يحئييل حوريف الذي شغل منصب رئيس «مالماب» حتى عام 2007، قوله: «إنه هو من بدأ عملية إخفاء الوثائق التي لا تزال مستمرة حتى يومنا هذا، وإن الجهود المبذولة لإخفاء أحداث 1948 منطقية»، وفق تعبيره.
وعندما سئل عن الهدف من إخفاء الوثائق التي سبق نشرها، أوضح أن «الأمر يهدف إلى تقويض مصداقية الدراسات حول تاريخ مشكلة اللاجئين».
وبحسب الصحيفة، فإن أخطر الوثائق هي التي تتعلق بالأسباب الحقيقية لإفراغ فلسطين من سكانها العرب، حيث تحاول الرواية «الإسرائيلية» تضليل العالم من خلال زعمها بأن عناصر سياسية عربية شجعت السكان على المغادرة، في حين أن أكثر من 70% من العرب غادروا البلاد تحت تأثير العمليات العسكرية اليهودية والمجازر الجماعية المعروفة، كمجزرة دير ياسين، وقبية وكفر قاسم، وغيرها من المجازر التي ارتكبت بدم بارد بحق أبناء الشعب الفلسطيني الآمن، وأن عملية التدمير المنهجي للقرى والبلدات الفلسطينية نُفذت لإلغاء أي إمكانية لعودة اللاجئين الفلسطينيين إلى ديارهم، وهو ما يمثل جرائم بحق الإنسانية، تجاهلها العالم بضغط من اللوبيات اليهودية، الناشطة في الدول الاستعمارية الغربية، في محاولة لتزييف الحقائق، وتزوير التاريخ، وتفسير ما جرى انطلاقاً من الروايات «الإسرائيلية» الكاذبة.
وأخيراً، لا بد من القول: إن ما كشفته صحيفة «هآرتس» حول مجزرة قرية الصفصاف الفلسطينية في قضاء صفد، ما هو إلا جزء بسيط من جبل الجليد الذي تخفيه الماكينة الإعلامية «الإسرائيلية» والغربية عن المجازر البشعة بحق الشعب الفلسطيني، وإن قرية الصفصاف ما هي إلا الشاهد والشهيد في تاريخ الشعب الفلسطيني المناضل، الذي يصر على مقاومة الاحتلال على الرغم من كل ما يعانيه من جراح، مقدماً التضحيات الجسام في سبيل الخلاص من الاحتلال، واستعادة وطنه السليب.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"