أسئلة كثيرة وإجابات قليلة

05:31 صباحا
قراءة 3 دقائق
د. علي محمد فخرو

لنحاول أن نتصور الحالة النفسية والعقلية التي يعيشها المواطن العربي من المحيط إلى الخليج،. فعندما يواجه المواطن يومياً أحداثاً لا يستطيع فهمها، ولا يستطيع تبريرها، ولا يشعر بأنها تعبر عن إرادته، ورغباته، وحقيقة مشاعره النفسية والروحية، ولا عن تاريخه وتعاليم دينه القرآنية، فإنه سيفقد توازنه الإنساني، وسيتوجه إلى أحد الطريقين: إما أن يصبح طاقة هائجة تدميرية، وإما أن يعيش حياة اليأس والقرف، وينسحب من الحياة العامة، والالتزامات الوطنية.
صباح كل يوم تتناقل الأخبار أسماء هذه الجماعة الجهادية المجنونة، أو تلك، في هذا البلد العربي أو ذاك، مقرونة دائماً باسم البلد الذي يرعاها، ويمدها بالمال والسلاح. وبالرغم من أن الأخبار تشير بالاسم إلى تلك الدولة الخليجية، إلا أن المواطن لا يسمع تكذيباً رسمياً واحداً، أو تبرئة من التهمة.
هل السكوت المعيب الذي تمارسه الجهات المتورطة هو جواب كاف لتهدئة القلق، ولإبعاد الحيرة عن نفس وعقل المواطن؟ ذلك أنه لا الإعلام الرسمي، أو التجاري، ولا مجالس الشورى، وما يماثلها، ولا مجالس الوزراء، ولا مؤسسات المجتمعات المدنية الضعيفة، تفصح عن أسباب بدايات ذلك الجنون، ولا أسباب الاستمرار فيه عاماً بعد عام، بينما تدفع شعوب عربية الثمن للصراعات العبثية الطفولية فيما بين أنظمة الحكم العربية ومسؤوليها، تدفعه دماراً حضارياً لكل ما بنته عبر القرون، وتراه صورة مظلمة حالكة لمستقبلها.
دعك من الذين يقبضون الأثمان ليكتبوا قصائد المديح، أو الحكمة في هذا القرار أو ذاك، أو الشتم المبتذل لهذه الجهة المعادية، أو تلك، فالدماء التي تقطر من أيادي الكثيرين لن تغسلها مياه كل أنهار وبحور ومحيطات العالم. فالعدالة الإلهية لا يمكن أن ترضى عما يحدث بالنسبة لهذا الانغماس في ألعاب الموت التي أدخلنا فيها مجانين الجهاد الدموي الظالم.
المواطن سيظل في حالة من الذهول، والخجل، والاستغراب والغثيان حتى يسدل الستار على تلك المسرحيات التي ألفها، وأخرجها الأغراب الاستعماريون، و«الإسرائيليون»، أو الموتورون الإقليميون، أو الجهلة المحليون، واستعملوا بعض الأنظمة في تمثيل أدوار تلك المسرحية، سواء بنية طيبة، أو بنية خبيثة.
ما يجعل الأمر أكثر مأساوية، وأثقل على قلب المواطنين المتسائلين ما يفصح عنه بعض المسؤولين الخليجيين السابقين عن مئات المليارات من الدولارات التي صرفت على قادة وأفراد نصبوا أنفسهم، زوراً وبهتاناً، كمجاهدين إسلاميين، بينما يعاني المواطنون آثار التراجع المتسارع في كل حقول الخدمات الاجتماعية باسم ضرورة التقشف. المطلوب من تلك الأنظمة، إذا كانت تريد أن تستجيب لإرادة ورغبات وطهارة الأغلبية الساحقة من مواطنيها، أن تخرج من هذا الوحل بسرعة، وبصورة نهائية، وأن تغلق إلى الأبد باب هذا النوع من الجهاد البليد الذي دمر حياتنا العربية، وخلق لنا إشكالية مع العالم المتحضر كله.
لا يكفي المواطن وقوفه حائراً أمام تلك الأحجيات والممارسات في حقل الإرهاب الجهادي الجنوني، حتى تفاجئه مؤخراً حفلات الرقص الحميمية مع دويلة الاحتلال الغاصب المتسلط الممعن قتلاً، وتدميراً، واستعباداً، وتآمراً، في طول وعرض بلاد العرب، ومع الولايات المتحدة الأمريكية التي تعلنها صراحة عن حقها في جزء من الثروة البترولية، وعن ضرورة مساهمة تلك الثروة في حل إشكالياتها الاقتصادية.
ما عاد المواطن يفهم أسباب التعاون الاستخباراتي الحميم مع الموساد، ولا أخبار الاجتماعات السرية التنسيقية مع عتاة الإجرام من المسؤولين «الإسرائيليين»، ولا كتابات بعض المحسوبين على هذا النظام، أو ذاك، والتي تنادي بهدم كل ثوابت هذه الأمة بالنسبة للموضوع الفلسطيني، وبقبول سرقة أرض فلسطين، وتشريد أهلها، وبالتعايش مع الفكر الاستعماري التوسعي المبني على الأساطير، والخرافات، والأكاذيب.
عشرات الأسئلة يسألها المواطن العربي بشأن ما يجري في وطنه العربي فلا يحصل على أجوبة واضحة علنية مقنعة، تطمئنه على مستقبله ومستقبل أبنائه وأحفاده.
لنحذر، فإن العيش في الظلام لا يقود إلا إلى ظلام حالك، تتربص فيه الأشباح والشياطين.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

شغل منصب وزير الصحة ووزير التربية والتعليم سابقاً في البحرين. متخصص في كتابة مقالات في شؤون الصحة والتربية والسياسة والثقافة. وترأس في بداية الألفين مجلس أمناء مركز البحرين للدراسات والبحوث. كما أنه عضو لعدد من المنظمات والمؤسسات الفكرية العربية من بينها جائزة الصحافة العربية المكتوبة والمرئية في دبي

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"