كوابح تهديدات نتنياهو

04:47 صباحا
قراءة 3 دقائق

حدّد بنيامين نتنياهو أمام الملأ وعلى منبر الأمم المتحدة موعداً للحرب على إيران يبدأ في الربيع المقبل وبحد أقصى في صيف ،2013 وتحديد هذا الموعد بالنسبة إلى الرجل مرتبط بما سمّاه الخط الأحمر لإمكان حصول طهران على تخصيب يتيح لها إنتاج قنبلة نووية .

لم تفعل ذلك باكستان تجاه جارتها النووية الهند، ولا كوريا الجنوبية تجاه توأمها الشمالية، وبالطبع لم يفعل ذلك العرب تجاه #187;جارهم الصهيوني#171; الذي لا يكتم وجود منشآت نووية لديه .

يعتقد نتنياهو ومعه كثرة من اليمين الأشد تطرفاً في تل أبيب، أن التلويح بالحرب والإعداد لها، هو أفضل وسيلة لردع طهران عن طموحاتها النووية .

لم يسبق أن وقعت مواجهة مباشرة بين طهران وتل أبيب، لكن الأخيرة لا تتردد في اختيار أهداف لها في بلدان بعيدة عنها . وسبق لطهران أن اتهمت غير مرة تل أبيب، باغتيال علماء إيرانيين على الأرض الإيرانية، وهو ما لم ينفه الصهاينة .

الخلاف البادي بين واشنطن وتل أبيب ينحصر في أن الأولى ترفض تقديم غطاء علني لأي هجوم #187;إسرائيلي#171; محتمل، لكنها بالطبع لن تقف ضده، كما ترفض واشنطن المشاركة من جانبها في أي هجوم . واختيار نتنياهو للربيع موعداً لهجوم حكومته المفترض، يأخذ في الحسبان الانتخابات الرئاسية الأمريكية التي تكون حينذاك قد انتهت .

تتحدث مصادر أمريكية عن أن تل أبيب لا تحيط حليفتها واشنطن بأسرارها العسكرية المتعلقة بالهجوم على إيران، مادامت واشنطن ليست شريكة في هذه الضربة، غير أن ذلك لا يغير في الأمر شيئاً، فواشنطن لا ترغب في المشاركة بهجوم قد يتسبب بحرب يمتد نطاقها إلى العراق ومناطق في الخليج، وفي الوقت ذاته لا تمانع أن يجرب شركاؤهم في تل أبيب حظوظهم باستهداف منشآت نووية إيرانية مع الاستعداد لتقديم خدمات #187;دفاعية#171; لحليفتهم في حال تعرضت لهجوم مناوئ من إيران أو حزب الله . وهو موقف لا يرتضي به الحليف المتطلّب، فنتنياهو يريد من واشطن تحديد خط أحمر يُصار عند بلوغه إلى شن الحرب من طرف واشنطن وتل أبيب معاً بدعم أطلسي . . ويصف ذلك بأنه خطوة ضرورية ل #187;منع الحرب#171; . وهنا تكمن نقطة الخلاف ، وما يوصف بأنه توتر بين البيت الأبيض ونتنياهو .

هذا هو المشهد الذي يرتسم الآن، بعد أن شهد الانعقاد السنوي للجمعية العامة للأمم المتحدة إعلانات نوايا، فيما تقدم القيادة الإيرانية من دون أن تقص،د خدمات مجانية لتل أبيب بالحديث الإنشائي المتكرر عن #187;إزالة #187;إسرائيل#171;#171; .

وفي جميع الأحوال، فإن التصعيد يسهم كالعادة في شد أعصاب الدولة الصهيونية، وهذه المرة إلى درجة ملحوظة تجعل الجمهور يتشكك في نتائج أي مواجهة محتملة على وجود الكيان ذاته، كما أفاد أكثر من نصف الجمهور في استطلاع أجري مؤخراً، وهو توجه لا سابق له لدى جمهور يقف في العادة خلف غزوات جيشه، ويكشف أن تهديدات نتنياهو بشن حرب بعيداً عن الحدود، لا غطاء داخلياً لها، مع ملاحظة أن اتجاهات الاستطلاعات تتغير بين آونة وأخرى . .

أما إيران فترى في التهديات ضدها برهاناً على صحة سياستها بالانخراط في سباق تسلح لا حدود يتوقف عندها . وفي هذا الصدد ذكر قائد الحرس الثوري الإيراني محمد علي الجعفري الجمعة 28 سبتمبر/أيلول، أن #187;التهديدات #187;الإسرائيلية#171; بشن هجوم على المنشآت النووية الإيرانية، تساعد فقط على تعزيز الموقف الدفاعي للجمهورية الإسلامية#171;، ولوحظ قول الجعفري وهو من أبرز المتشددين في بلاده، #187;إن الصهاينة عندما يطلقون مثل هذه التهديدات، فهم إنما يجعلون الولايات المتحدة تقوم بإفراغ تلك التهديدات من مضمونها لاحقاً#171; . في إشارة واضحة إلى أن طهران تدرك الفروق بين موقفي واشنطن وتل أبيب، وأنها تراهن من طرف خفي على هذا التباين، علاوة على رهانات أخرى أكثر أهمية من بينها رفض كل من موسكو وبكين تشديد العقوبات على طهران، فضلاً عن رفضهما أية مواجهة عسكرية أو التهديد بها .

وفي واقع الأمر، فإن أية مواجهة ولو محدودة، ستهدد بدخول قوى جديدة في الحرب، وهذا هو سر الحذر الأمريكي ومصدر الطمأنينة الإيرانية .

تعتزم تل أبيب الانفراد بامتلاك أسلحة دمار شامل في الشرق الأوسط من أجل إدامة تفوقها النوعي على مجموع دول المنطقة، وتلقى استراتيجيتها هذه قبولاً من واشنطن، على مدار الإدارات المتعاقبة، وتوطؤاً من بعض دول أوروبا . هذا المنطق الأخرق يتيح لقعقعة السلاح أن تعلو، ويسمح لتل أبيب بالتهديد بإشعال المنطقة، بينما الحلول تقع في مكان آخر، في إخلاء الشرق الأوسط من أسلحة الدمار الشامل، وهو ما عبّر عنه ناطق بحريني الجمعة الماضية، في مقاربة آن لدول المنطقة مجتمعة ومنفردة أن تجهر بها بغير كلل أو ملل .

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

كاتب ومعلق سياسي، قاص وروائي أردني-فلسطيني، يقيم في عمّان وقد أمضى شطرا من حياته في بيروت والكويت، مزاولاً مهنة الصحافة. ترجمت مختارات من قصصه إلى البلغارية والإيطالية والإنجليزية والفرنسية

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"