مؤتمر الشتات وعضال الانقسامات

04:46 صباحا
قراءة 3 دقائق
نبيل سالم
الأزمة التي أثارها مؤتمر الشتات الفلسطيني، الذي عقد بمدينة إسطنبول التركية مؤخراً بمشاركة نحو أربعة آلاف فلسطيني توافدوا من نحو خمسين دولة، بالإضافة إلى الجالية الفلسطينية في تركيا، حدث لابد من التوقف عنده باهتمام، ليس بسبب ما طرحه من رؤى سياسية قد يتفق الكثير من الفلسطينيين عليها، وأولها التأكيد على حق الفلسطينيين بالخارج في المشاركة السياسية، وإنما لأنه جاء مع الأسف ليزيد من أزمة الانشقاق الفلسطيني، ولا سيما بين حركتي فتح وحماس، إذ إن الواضح أن حركة حماس كان لها الدور الأساسي في تنظيم هذا المؤتمر، ناهيك عن اختيار مدينة إسطنبول التركية لتكون مكان انعقاده. وهذان الأمران يثيران تساؤلاً كبيراً لدى النخبة السياسية الفلسطينية، وبشكل خاص بين المنضوين في إطار منظمة التحرير الفلسطينية، «الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني»، حيث أعلنت فصائل في منظمة التحرير رفضها له، واعتبرت أنه يمس صفتها التمثيلية، ويهدف إلى إيجاد هيئة بديلة.
وقد يتساءل البعض عن سر هذا الرفض، في وقت يحتاج فيه الشعب الفلسطيني، لأي حراك سياسي يفعل دور فلسطينيي الشتات، في النضال الفلسطيني الوطني، المستمر منذ إقامة الكيان الصهيوني على أنقاض الوطن الفلسطيني.
وللإجابة عن ذلك التساؤل المشروع نقول: إن من الطبيعي أن تنظر منظمة التحرير الفلسطينية إلى أي حراك سياسي خارج إطارها على أنه يشكل مساساً بدورها المحوري والأساسي في قيادة النضال الوطني الفلسطيني، رغم الكثير من الإخفاقات الفلسطينية، والإحباطات التي خلفها دخول منظمة التحرير في عملية التسوية السياسية، التي قادت القضية الفلسطينية مع الأسف إلى طريق مسدود، لا سيما مع إمعان الكيان الصهيوني في جرائمه وسياسة التوسع الاستيطاني، ولكن ورغم هذه الإخفاقات الكبيرة، إلا أنه من العبث السياسي أن يولد حراك فلسطيني من شأنه أن يزيد في أزمة الانشقاق، ويعمق من سياسة المحاور في الشارع الفلسطيني.
صحيح أن منظمة التحرير الفلسطينية، أخفقت حتى الآن في تحرير الأرض، ودخلت أو أدخلت في تسوية شبه عابثة مع الكيان الصهيوني، إلا أن المطلوب هنا هو تصويب خط منظمة التحرير الفلسطينية، وإعادة مسار النضال الفلسطيني إلى وضعه الطبيعي، بحيث يشكل تحرير فلسطين البوصلة التي تحكم المسار الوطني الفلسطيني، عبر إخراج المنظمة من مستنقع التفاوض العبثي، ومسلسلات التنسيق الأمني مع الاحتلال، ووقف سياسة التنازلات التي يطلق عليها «المؤلمة» من أجل سلام يبدو أنه أشبه بالسراب في صحراء السياسات العربية المتخبطة.
فكرة مؤتمر الشتات الفلسطيني، رغم أنها تبدو جاذبة بالشعارات التي حملتها، إلا أنها قد تسهم في زيادة التشرذم الفلسطيني، ونقل الانقسامات الفلسطينية إلى ساحات الشتات الفلسطيني، التي يبدو أنها الآن بحاجة أكثر من أي وقت مضى إلى عمل سياسي مخلص ودؤوب يسهم في جمع الطاقات الفلسطينية، في خندق واحد وهو خندق المواجهة الفعلية مع العدو الصهيوني، الذي يستفيد كثيراً من أي شرخ يحدث في الشارع الفلسطيني.
إن ولادة جسم فلسطيني سياسي جديد على الساحة الفلسطينية أمر قد يزيد من حدة الخلافات الفلسطينية، ما لم يكن في إطار عملية إصلاح حقيقية، لمؤسسات منظمة التحرير الفلسطينية، التي استطاعت رغم الكثير من الإخفاقات أن تقود النضال العسكري والسياسي الفلسطيني، إلى منصات الاعتراف الدولي بالقضية، زد على ذلك أن اختيار مدينة إسطنبول التركية، هو اختيار غير موفق إذا ما أخذنا بعين الاعتبار تلك العلاقات المتينة بين أنقرة و«تل أبيب».
وأخيراً لابد من القول، إنه آن الأوان للملمة الجراح الفلسطينية، ووأد الانشقاق الفلسطيني، وليس زيادته وتعميقه، تحت أي شعارات مهما كانت براقة.
كفى الشعب الفلسطيني انقساماً، وكفاه تشرذماً سياسياً، أفقده القدرة على مواجهة المشروع الصهيوني الذي يتغول أكثر فأكثر كلما أمعن الفلسطينيون في انقساماتهم، ولذلك لابد للفلسطينيين إن أرادوا خيراً لقضيتهم أن يتوافقوا على مشروع وطني، يعيد إلى نضالهم بريقه وقوته، بدلاً من تعميق الانقسام، خاصة في هذا الظرف بالذات الذي تشهد فيه منطقتنا العربية زلازل سياسية كبيرة، دفعت بالقضية الفلسطينية إلى الهامش، وهو ما استفاد العدو منه كثيراً، لدرجة بات يتراجع فيها عن كل الالتزامات التي تفرضها عليه عملية التسوية على علاتها.
فمنظمة التحرير كانت ويجب أن تبقى الممثل الوحيد للشعب الفلسطيني، لأنها بنيت على دماء الشهداء الذين ضحوا من أجل القضية، إلا أن هذا لا يلغي أبداً حاجة منظمة التحرير لإصلاحات جذرية، تعيد لها وجهها الحقيقي كحركة نضال وطني تحرري، وليس مجرد إدارة مدنية تعمل في ظل الاحتلال.
التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"