عن العرب اليهود والحنين إلى الأوطان

04:37 صباحا
قراءة 3 دقائق
محمود الريماوي

تتردد في الصحافة العربية بين أوان وأخرى متابعات ومقالات تتناول ظاهرة وجود يهود عرب في «إسرائيل»، وحنين هؤلاء إلى أوطانهم الأم، وتمسكهم بتقاليدهم الوطنية وعاداتهم الاجتماعية الأولى التي تشمل المأكل والملبس والأغاني والألحان الشعبية وسوى ذلك. ويندرج هؤلاء ضمن ما يسمّى باليهود الشرقيين أو السفارديم، والذين وفد معظمهم إلى فلسطين في بداية خمسينات القرن الماضي، فيما وفد آخرون بأعداد أقل ضمن موجات متتابعة من دول عربية بتنظيم من الوكالة اليهودية. وحول ظاهرة هؤلاء فإنه من المهم إيراد الملاحظات الآتية:
الملاحظة الأولى: إن مغادرتهم لأوطانهم الأصلية تمت بعيد نشوء «إسرائيل»، ومشاعر النقمة التي تولّدت في المجتمعات العربية نحو «الحركة الصهيونية» التي أدّت إلى اقتلاع شعب فلسطين من أرضه التاريخية. وبينما لم يجر التمييز الشعبي في بعض الأحيان بين اليهود من أصول عربية، واليهود الذين استولوا على أرض فلسطين في العام 1948، كذلك فإن مجتمع هؤلاء لم ينجح عموماً في أن يضع نفسه في صف الرأي العام العربي هنا وهناك المناوئ لنشوء «إسرائيل»، باستثناء شخصيات وقيادات يسارية الهوى في مصر والمغرب على سبيل المثال.
الملاحظة الثانية: إن التحاق هؤلاء بالدولة العبرية بعد نشوئها بسنوات قليلة، منحهم في أنظار اليهود الغربيين «الأشكناز» منزلة من لم يشاركوا في تأسيس الدولة، وأنهم وفدوا إليها بعد قيامها، خلافاً للغربيين المؤسسين. ولمداواة هذا الشعور بالنقص أو التقصير ضمن المنظور اليهودي، فقد جنح الشرقيون في معظمهم، للالتحاق بالأحزاب المتطرفة، ومنها حزب حيروت الذي تشكّل منه الليكود لاحقاً.
الملاحظة الثالثة: إن هؤلاء يحرصون الحرص كله على التعبير عن هوياتهم الأولى العربية والمشرقية، فيصفون أنفسهم بأنهم فقط من مواليد العراق أو مصر أو تونس، ومن النادر جداً أن يتحدث أحد منهم عن انتسابه لوطنه الأصلي أو انحداره من بلد عربي ما، مكتفين بالقول إنهم من مواليد ذلك البلد، وكأن الأمر قد تم بمحض المصادفة التي لا يُعوّل ولا يُبنى عليها أي شيء في مجال الهوية أو الانتماء أو الجذور.
الملاحظة الرابعة: مع إشاراتهم للحنين إلى أوطانهم الأصلية ومرابع طفولتهم، فإنهم يتفادون تماماً التعبير عن رغبتهم في العودة من حيث أتوا. فالحنين شيء، والتفكير.. ومجرد التفكير الرغائبي شيء آخر. والحال أنهم يكتفون بالحنين الذي لا يقود في حالتهم للرغبة في العودة إلى أوطانهم الأم ومجتمعاتهم الأولى، وعلى سبيل المثال فقد دعا الملك الراحل الحسن الثاني ملك المغرب في مطلع سبعينات القرن الماضي، اليهود الذين يتحدّرون من المغرب للعودة إلى وطنهم، لكن أحداً منهم لم يعد، مكتفياً بالتعبير عن الحنين!.
الملاحظة الخامسة: إنه ضمن الدولة العبرية لا وجود لظاهرة قائمة بذاتها ليهود عرب، فقد تخلّوا تماماً عن هويتهم العربية، ومن الدلائل على ذلك أن صلاتهم بالعرب الفلسطينيين أبناء البلاد هي صلة ضعيفة، وصحفيوهم وأدباؤهم وكتّابهم لا يكتبون بالعربية لغتهم الأصلية بل بالعبرية، ولا يشاركون في الصحافة العربية هناك إلا في حالات نادرة لا يُعتد بها. كذلك الحال مع الفنانين، منهم المطربون والمسرحيون والسينمائيون، فهم لا ينتجون أعمالاً فنية بالعربية بل بالعبرية.
ومغزى هذه الملاحظات أنه من الوهم تصور أن المجتمع اليهودي يضم عرباً يهوداً، فهؤلاء يعرّفون أنفسهم بأنهم يهود و«صهاينة» و«إسرائيليون»، مع إنكار تام لجذورهم ومكوناتهم العربية، وأقصى ما يسعهم التعبير به عن صلاتهم السابقة بأوطانهم هو رغبة بعضهم بزيارة تلك الأوطان، لا العودة إليها، أو استئناف ما بقي لهم من حياة على أرضها. ويسترعي الانتباه أن كثيراً من المؤرخين والكتّاب العرب لدى تناولهم حياة العرب اليهود في أوطانهم الأصلية، فإنهم يصفونهم بأنهم يهود عرب، بتغليب صفتهم الدينية وتقديمها على صفتهم القومية. وواقع الأمر أن «الحركة الصهيونية» تحرص على تظهير الصفة الدينية لليهود والتركيز التام عليها، وطمس انتمائهم إلى مجتمعات وأوطان شتى، فيما يجنح مؤرخون عرب بغير قصد من جانبهم، للوقوع في هذا المحظور، وبدلاً من أن ينعتوهم بعرب يعتنقون الدين اليهودي، كما هو حال العرب المسلمين أو العرب المسيحيين، فإنهم يسارعون إلى تقديم الانتماء الديني بالحديث عن يهود عرب، بدلاً من تصنيفهم بالتصنيف الصحيح كعرب يهود.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

كاتب ومعلق سياسي، قاص وروائي أردني-فلسطيني، يقيم في عمّان وقد أمضى شطرا من حياته في بيروت والكويت، مزاولاً مهنة الصحافة. ترجمت مختارات من قصصه إلى البلغارية والإيطالية والإنجليزية والفرنسية

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"