السودان.. العبور إلى الأمان

03:34 صباحا
قراءة 4 دقائق
د. أميرة محمد عبدالحليم


تتوالى الأحداث في السودان وسط ترقب وانتظار محفوف بالكثير من القلق على النجاحات التي وصل إليها الشعب السوداني عبر ثورته السلمية التي قادها خلال الأشهر الأخيرة، وتمكن خلالها من الإطاحة بنظام عمر البشير الذي سيطر على البلاد عبر عقود ثلاثة اتسمت بالضغوط والإخفاقات، وبرزت أقصى تأثيراتها في حياة المواطن السوداني ومعيشته اليومية، وهو ما أفقد هذا النظام جميع ركائز شرعيته.
نجح السودانيون في تغيير مسار حركتهم، وتمكنوا عبر توحدهم من رسم صورة مبهجة لمستقبل دولتهم، وحاولوا تحقيق هذه الصورة، فتوصلوا إلى تشكيل مجلس سيادي ذي أغلبية مدنية لقيادة البلاد عبر المرحلة الانتقالية التي تمتد لأكثر من ثلاث سنوات، كما اختير عبدالله حمدوك، الخبير الاقتصادي رئيس وزراء للحكومة الجديدة في السودان، والذي أدى اليمين الدستورية في اليوم ال 21 من أغسطس /‏ آب الماضي، لتبرز المهمة الأكثر خطورة في مسيرة التغيير في السودان، وهي تشكيل الحكومة الجديدة واختيار وزرائها، حيث تنتظر هؤلاء الوزراء ملفات شائكة تحتاج إلى معالجة العديد من القضايا التي لا تحتمل التأخير، لأنها صمام الاستقرار في السودان.

إصلاح التشوهات

ويتوقع الكثيرون أن الخبرات الاقتصادية التي يتمتع بها رئيس الوزراء السوداني الجديد عبدالله حمدوك، الذي سبق أن تولى منصب الأمين التنفيذي للجنة الاقتصادية لإفريقيا بالأمم المتحدة، وكذلك القبول الدولي له، سوف تسهم في إصلاح التشوهات التي أصابت الاقتصاد السوداني، وبالفعل بادر رئيس الوزراء حمدوك بالإعلان عن حاجة السودان إلى 8 مليارات دولار، على أن يصل منها ملياران في غضون ثلاثة أشهر كاحتياطي من النقد في البنك المركزي للمساعدة في إيقاف
تدهور سعر صرف الجنيه السوداني، كما أوضح خلال مقابلة تلفزيونية عقب توليه السلطة أنه بدأ محادثات مع صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، لمناقشة إعادة هيكلة ديون السودان، وتواصل مع الدول الصديقة وهيئات التمويل بشأن المساعدات، فالاحتياطيات في البنك المركزي ضعيفة ومنخفضة للغاية.
كما يظل تحقيق الاستقرار والسلام من أهم ملفات الحكومة الانتقالية الجديدة في السودان، فبعد إعلان العديد من الحركات المسلحة رفضها لترتيبات المرحلة الانتقالية التي جرى تدشينه خلال الأيام الأخيرة، وفي مقدمتها «الجبهة الثورية» التي تضم ثلاث حركات مسلحة؛ تنتظر الحكومة الجديدة مهمة استئناف المفاوضات مع هذه الجماعات، وتقريب وجهات النظر بينها وبين الهياكل السياسية والأمنية الانتقالية للوصول إلى توافق عام بينها.

ترتيب الأولويات

ولا يبتعد ملف علاقات السودان الخارجية كثيراً عن الملفات الداخلية، إذ لا بد أن تحرص الحكومة الجديدة على معالجة قضاياه، وهذا الملف يتعلق بكيفية إعادة ترتيب أولويات السودان الخارجية بما يتناسب مع المصالح الحالية للسودان، وبما يدعم العديد من الملفات الداخلية في السودان، وفي مقدمتها الملف الاقتصادي. وتتطلب هذه المرحلة سعياً جاداً من الحكومة السودانية للحفاظ على حقوق الإنسان وتطبيق مبادئ الحوكمة والسلم والأمن. وربما يكون الاهتمام الدولي والإقليمي بتحقيق الاستقرار في السودان من الركائز الداعمة للحكومة المنتظرة، حيث تتابع مختلف الدول والمنظمات التطورات في السودان عن كثب، كما حرصت الولايات المتحدة على تعيين مبعوث خاص للسودان «دونالد بوث»، وهو ما يعبر عن رغبة أمريكية للتقارب مع السودان بعد عقدين من الخلافات بين الدولتين. وأصدرت دول الترويكا (المملكة المتحدة، والولايات المتحدة، والنرويج) بياناً رحبت خلاله بتعيين رئيس الوزراء الجديد عبدالله حمدوك، وعبرت عن تطلعها إلى العمل مع مؤسسات الحكومة السودانية الجديدة، كما ينظر الكثيرون إلى اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة في سبتمبر الحالي، باعتباره فرصة جيدة للحكومة الانتقالية الجديدة للحصول على الدعم الدولي للسودان.
وتسلم رئيس الوزراء السوداني عبد الله حمدوك في ال 27 من أغسطس الماضي قائمة المرشحين للمناصب الوزارية في مجلس الوزراء الانتقالي بعد حسمها من المجلس المركزي لقوى الحرية والتغيير، والتي بلغت 49 اسماً من أجل 14 حقيبة وزارية، و16 مرشحاً ومرشحة لخمسة مجالس وزارية متخصصة، كما رشح رئيس المجلس السيادي عبد الفتاح برهان (وفقاً للوثيقة الدستورية الموقعة في ال 17 من أغسطس الماضي) كلاً من وزيري الدفاع والداخلية، فاختار الفريق جمال عمر (عضو المجلس العسكري الانتقالي السابق) وزيراً للدفاع، والفريق أول شرطة الطريفي إدريس وزيراً للداخلية.

تحديات صعبة

وبموجب الاتفاقيات الموقعة فإن حمدوك كان عليه أن يعلن حكومته في ال 28 من أغسطس الماضي، على أن يعتمدها المجلس السيادي وتؤدي اليمين الدستورية في الثلاثين من أغسطس، إلا أنه أعلن عن تأجيل إعلان الحكومة الجديدة بسبب استمرار المشاورات حول الوزراء، فوفقاً لتصريحات بعض الأعضاء في المجلس السيادي، فإن هذا التأجيل كان ناتجاً عن عدم وجود معلومات عن بعض المرشحين في الوزارات، كما توجد وزارات لم تُرشح أسماء لها حتى الآن.
وفي ظل التحديات التي تنتظر الحكومة الانتقالية الجديدة، فإن الطريق نحو تحقيق الأهداف، والقدرة على معالجة الاختلالات التي تركها نظام البشير لن يكونا سهلين، ولا سيما في ظل انتشار الفساد، وكذلك تغلغل عناصر النظام السابق في مفاصل اقتصاد الدولة.
ولذلك فإن عبور هذه الحكومة إلى الأمان يتطلب الكثير من التخطيط والإرادة السياسية، وكذلك المساومات، إضافة إلى أن هذه الحكومة يجب أن تتسم بالشفافية والتناغم مع المطالب الشعبية، لتحصل على الدعم الجماهيري الذي يمثل أهم الركائز لاستمرارها وتحقيق أهدافها، كما أن رئيس الوزراء عليه الالتزام بالمعايير التي حددها في اختيار وزراء أول حكومة بعد الإطاحة بالبشير، وأن ينأى بحكومته عن المشكلات السياسية بين القوى المختلفة، فوفقاً لما أعلنه الرئيس حمدوك، فإنه سيختار للحكومة أعضاء من التكنوقراط وفقاً لكفاءاتهم. وقال «نريد فريقاً متجانساً على مستوى التحديات»، مؤكداً تمسكه بتمثيل عادل للنساء في الحكومة. كما اتفق المجلس العسكري الانتقالي (السابق) وقوى الحرية والتغيير على أن تكون الحكومة من الكفاءات بعيداً عن المحاصصة الحزبية، وألا تزيد على 20 وزيراً.
كما تحتاج الحكومة الانتقالية الجديدة في السودان إلى المساندة والدعم الخارجي لتسيير أعمالها، والوفاء بالتزاماتها ولا سيما في ظل الأزمة التي يعاني منها الاقتصاد السوداني، لذلك يجب على الدول الصديقة للسودان أن تدعم هذه الحكومة، لتساعدها في اجتياز المرحلة الانتقالية الصعبة.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"