سوريا في مواجهة أردوغـــان و«كـــورونا»

03:15 صباحا
قراءة 4 دقائق
د. محمد فراج أبو النور *

بينما يدعو الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو جوتيريس، إلى «إسكات الأسلحة» في جميع أنحاء العالم، والتعاون الوثيق في مواجهة وباء «كورونا»، ويدعو المبعوث الأممي إلى سوريا جير بيدرسون، إلى وقف شامل لإطلاق النار في كل أنحاء البلاد - وفي مقدمتها إدلب - وتوحيد الجهود في مواجهة الوباء، الذي يهدد سوريا من كل جانب، فإن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان كان يحتفظ بموقف آخر يعد معاكساً تماماً لذلك، ويبعث على أعمق الشكوك في نواياه تجاه وقف إطلاق النار.
قام الجيش التركي، خلال الأيام القليلة الماضية، بإعادة نشر منظومة للدفاع الجوي، كان قد سحبها من إدلب؛ بعد توقيع «اتفاق موسكو».
نشر هذه المنظمة مجدداً؛ يشير إلى نية مُبيتة لاستئناف شن عمليات قتالية ضد الجيش السوري وحلفائه، أو على الأقل لفرض أوضاع مخالفة ل«اتفاق موسكو»، في مقدمتها عدم الالتزام بفتح طريق حلب - اللاذقية الدولي للمرور، وتأمينه بتسيير دوريات روسية - تركية مشتركة. وقد رأينا كيف قامت الفصائل الإرهابية بمنع تسيير الدورية الأولى؛ من خلال مسرحية هزلية تمت بمشاركة وإشراف القوات التركية.. ثم عادت نفس الفصائل فأفشلت محاولة تسيير الدورية الثانية في 23 مارس/‏آذار.. بينما تواصل تركيا بناء النقاط الحصينة المدججة بالسلاح الثقيل، على امتداد طريق حلب - اللاذقية نفسه أو في غيره من المواقع، ما يقرب من (50 نقطة) منها ثلاث نقاط في جسر الشغور، المفروض تسليمها إلى القوات الروسية والسورية بمقتضي «اتفاق موسكو»!

مسرحيات هزلية

وكانت تركيا قد سارعت إلى الزج بحشود ضخمة من القوات والآليات العسكرية في إدلب، بمجرد توقيع الاتفاق، كما أعلن أردوغان أن الاتفاق يجب أن يكون «دائماً»، الأمر الذي يشير إلى نيته في عدم الانسحاب من الأراضي السورية الباقية تحت سيطرة جيشه.
ومن ناحية أخرى، فإن استمرار المنظمات الأشد تطرفاً؛ مثل: «هيئة تحرير الشام (النصرة سابقاً)» و«الجيش التركستاني» و«أجناد القوقاز» و«الأوزبك» وغيرها، في الاحتفاظ بأسلحتها الثقيلة ومواقعها، واستمرار شنها للهجمات ضد الجيش السوري وحلفائه، يشير إلى عدم جدية أردوغان في تنفيذ «اتفاق موسكو».
ولا يغير من هذه الحقيقة، أن بعض المنفلتين من أعضاء هذه الفصائل الأشد تطرفاً يقومون بعملية عسكرية (رمزية) هنا أو هناك ضد القوات التركية نفسها؛ لإظهار أن هذه الفصائل خارجة عن السيطرة. فالجميع يعرف أن روح وأعناق هذه المنظمات في قبضة النظام التركي.

العبث مع «كورونا»

في ظل هذه الأوضاع الخطرة، يأتي انتشار وباء «كورونا» في دول المنطقة، ليخلق وضعاً أشد خطورة - ثم يأتي ظهور الوباء في مناطق إدلب، الخاضعة لسيطرة تركيا والفصائل الموالية لها؛ ليخلق وضعاً في غاية الخطورة .
ولهذا كله فإن ما يفعله أردوغان في إدلب، وما يخطط له بصورة مكشوفة، محاولاً استغلال انشغال العالم بوباء «كورونا» وآثاره الإنسانية والاقتصادية الفادحة؛ هو نوع من العبث الإجرامي مع الوباء، أي مع الموت.. واللامبالاة الوحشية بأرواح البشر؛ من خلال فرض القتال على سوريا في ظروف كالتي ذكرناها.
فتركيا نفسها تواجه تفشياً كبيراً ومتسارعا للوباء، يوجب التركيز على مواجهته (9217 إصابة، و131 وفاة حتى صباح الاثنين 30 مارس/‏آذار)، والوضع في إدلب - التي ظهر فيها الوباء فعلاً - وفي مخيمات اللاجئين على الحدود السورية - التركية، شديد الخطورة؛ حيث تعاني هذه المناطق نقصاً فادحاً في المرافق الصحية والكوادر الطبية المؤهلة، والمياه الجارية، وأدوات النظافة والتعقيم؛ وحيث يتكدس الناس بالعشرات في الخيام والغرف الصغيرة.. وكل ذلك يرشح المنطقة لأن تصبح بؤرة شديدة؛ لتفشي الوباء والموت بالجملة.. علماً بأن تركيا هي المسؤولة قانوناً عن هذه المناطق؛ لأنها تقع تحت سيطرتها الفعلية.

سوريا.. والوباء

أما سوريا- المحور الأهم لمقالنا - فتشير إحصاءاتها الرسمية (حتى صباح الاثنين 30 مارس) إلى وجود (9 إصابات وحالة وفاة واحدة).. وهو ما يؤكده موقع (world meter) إلا أن هذا الرقم لا يمكن أخذه على علاته، بمعنى أن هذه هي الحالات التي تم رصدها؛ لكن هناك احتمالات لوجود حالات لم يتم اكتشافها؛ بسبب الحركة الواسعة حتى أيام قليلة مضت مع كل من إيران والعراق والأردن ولبنان، و(جسر الشغور) عند الحدود مع تركيا (إدلب وشمال حلب وشرق الفرات، وقاعدة التنف ومخيم الركبان)، وكل هذه يمكن أن تكون مصادر العدوى، وتبذل الحكومة السورية جهوداً ضخمة في مجال التعقيم وحظر التجوال الجزئي، وتوزيع الخبز على البيوت في بعض المدن، كما أن الكوادر الطبية السورية مشهود لها بالكفاءة.. ومن ناحية أخرى، فإن روسيا تقدم مساعدات كبيرة إلا أن كل هذا لا ينفي النقص الكبير في الإمكانات؛ نتيجة لفترة الحرب الطويلة (أكثر من 9 سنوات) وتدمير الإرهابيين للمرافق الصحية وغير الصحية، والعقوبات الأمريكية القاسية، وكل هذا يجعل سوريا محاطة بمخاطر شديدة إذا تسرب إليها الوباء.

دمشق ليست وحدها

وعلى ضوء هذا تبدو الأهمية الكبيرة للخطوة التي اتخذتها دولة الإمارات العربية المتحدة، باتصال صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي، نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، بالرئيس السوري بشار الأسد، مؤكداً له «دعم دولة الإمارات ومساعدتها للشعب السوري الشقيق، في هذه الظروف الاستثنائية، وأن سوريا لن تبقى وحدها في هذه الظروف الحرجة».
ويمثل هذا الموقف تطوراً مهماً في العلاقات بين البلدين؛ بعد فتح سفارة الإمارات في دمشق في أكتوبر/‏تشرين الأول عام 2018
كما يمثل انفراجة مهمة في العلاقات الخليجية - السورية، بما للإمارات من وزن سياسي واقتصادي.. والمتوقع أن تمثل هذه الانفراجة خطوة مهمة في اتجاه تطور العلاقات بين سوريا ودول عربية أخرى، وعودتها إلى جامعة الدول العربية، خاصة أن هناك دعماً دولياً واسعاً؛ لرفع الحصار الأمريكي والغربي عن سوريا، في ظل لحظة استثنائية شديدة الخصوصية في العلاقات الدولية، تستدعي ضرورة تضامن الدول والشعوب في مواجهة وباء «كورونا» بالغ الشراسة الذي يهدد الإنسانية كلها، والتي يجب أن تقف كلها صفاً واحداً في مواجهته.

* كاتب مصري

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"