صراعات في ساحات الموارد الطبيعية

03:48 صباحا
قراءة 5 دقائق
عبد المنعم المشاط

الخلل بين السكان والتكنولوجيا من ناحية والموارد الطبيعية من ناحية أخرى، يشكل العنوان الرئيسي للصراعات المسلحة، فالزيادة في السكان مع التقدم التكنولوجي وندرة الموارد، تؤدي إلى التوسع الخارجي على حساب الآخرين، ولعل التفسير العلمي للاستعمار لا يخرج عن ذلك، فقد وقعت دول العالم الثالث مواردها الطبيعية فريسة للتوسع الأوروبي، ولم يخفت الصراع المسلح بعد الاستقلال بغية السيطرة على الموارد الطبيعية من مياه ومصادر طاقة وغذاء، وانتقل الصراع المسلح إلى الدول النامية خصوصاً تلك التي تضم أقليات دينية أو عرقية أو مذهبية، بصورة تهدد السلم والأمن الدوليين.
أكثر من 40% من الصراعات المسلحة الداخلية على مدى العقود الستة الماضية، ارتبطت بالتنافس على امتلاك أو التحكم في الموارد الطبيعية، وأكثر من 75% من الحروب في إفريقيا، تم تمويلها من عوائد الموارد الطبيعية، وهذا ما ورد على لسان جوتيريس السكرتير العام للأمم المتحدة في حديث أمام مجلس الأمن في جلسته الخاصة، التي عقدها في 16 أكتوبر الحالي، بناء على دعوة من بوليفيا، الرئيس الحالي لمجلس الأمن.
وعلى الرغم من أن الأمين العام للأمم المتحدة، حاول أن يكون فطيناً في خطابه، إلاّ أن مضمون حديثه يشير إلى الخطر الداهم الذي يهدد العالم بمزيد من الصراعات المسلحة، ليس فقط بسبب التنافس على المياه والأرض والمعادن، وإنما أيضاً بسبب التوزيع غير المتكافئ لها، والفساد الذي يشوب استغلالها وسوء إدارتها.
وحاول جوتيريس أن يؤكد دور الأمم المتحدة في طرح مبادرات للاستخدام المتكافئ للموارد الطبيعية، وذلك بتأكيد الشراكة وتنظيم عمليات الاستخراج والاتّجار والتوزيع بين الجماعات الداخلية، ففي الوقت الذي قامت فيه الجماعات المسلحة في الكونغو الديمقراطية وإفريقيا الوسطى باستغلال الموارد الطبيعية لشراء السلاح وتجنيد الميليشيات، ومن ثم تفجير الصراعات العسكرية، أشار جوتيريس إلى جهود المنظمة الدولية في التوصل إلى اتفاق كمبرلي «في جنوب إفريقيا»، الذي يتعلق بتنظيم استخراج وتجارة الماس، وكذلك دور الأمم المتحدة في الدفع إلى الشراكة في استخدام مياه الأنهار، كما حدث بشأن نهر السنغال ودول آسيا الوسطى.
ومع ذلك احتد النقاش وتباينت المواقف داخل مجلس الأمن، ودار الجدال حول اتجاهين، الأول تتزعمه بوليفيا، ومعظم الأعضاء من دول العالم الثالث، الذي يؤكد أن الشركات متعددة الجنسيات والأطراف الغربية تستغل الموارد الطبيعية لدول الجنوب دون وجه حق، كما أنها- ولكي تسهل عمليات الاستغلال- تقوم بتسليح الجماعات المناوئة للسلطة الوطنية والميليشيات الانفصالية في عدد كبير من دول الجنوب، ويؤكد هذا الاتجاه، أن الغزو الأمريكي للعراق والغزو الأوروبي لليبيا يعود للرغبة في السيطرة على حقول النفط، ويزيد بأن احتلال العراق للكويت كان يستهدف السيطرة على نفط الكويت، ويضيف هذا الاتجاه أن حجم استغلال أوروبا للموارد الطبيعية في إفريقيا يناهز 50 مليار دولار سنوياً، وهو ما يمثل ضعف ما تقدمه الدول المتقدمة من مساعدات تنمية للقارة السوداء.
وينتهي هذا الاتجاه إلى أنه ينبغي أن تقوم الدول بوضع سياسات رشيدة وكاشفة وشفافة لاستغلال مواردها، وأن تكون هناك شراكة عادلة، سواء على المستوى الدولي أو المحلي، بصورة تقضي على الفساد وسوء الإدارة، كما أنه يجب أن يتم وضع حد للتجارة غير الشرعية للسلاح، ومنع وصوله إلى أي جماعات خارج السلطات الرسمية للدول، وقد انضمت روسيا والصين إلى هذا الاتجاه؛ حيث أكدتا احترام سيادة الدول على مواردها الطبيعية.
أما الاتجاه الثاني، الذي تتزعمه الولايات المتحدة وبريطانيا، فيركز على الإدارة الداخلية للموارد، التي تتسم بالسوء وعدم الشفافية والفساد، وتبرر التدخل الخارجي- بما في ذلك التدخل العسكري- الذي قد يكون ضرورياً لحماية الأقليات أو حتى السكان من الحكومات الفاسدة المستغلة التي تحتكر إدارة وتوزيع الموارد الطبيعية.
وفي هذا الإطار يمتد النقاش إلى العجز في المياه واحتمالات تحول ذلك إلى صراع مسلح، فهناك ضغط شديد على استهلاك المياه، وأن ما يربو على 70% منها يتم تخصيصه للزراعة، كما أن 30% من الطاقة يتجه إلى إنتاج وتوزيع الغذاء، ومع ذلك تعاني دول عديدة من نقص الغذاء بصورة أدت إلى معاناة أكثر من 830 مليوناً من سوء التغذية، ولذلك تشير الدراسات إلى أن هناك حاجة إلى زيادة لا تقل عن 60% في إنتاج الغذاء الحالي، لسد احتياجات السكان عام 2050.
وهذه المعضلة تمس- إلى حد كبير- الوضع في الشرق الأوسط، فمن المعلوم أن محاولات «إسرائيل» تحويل مجرى مياه نهر الأردن أدت - ضمن عوامل أخرى- إلى حرب 1967، كما أن احتلال «إسرائيل» كلا من الضفة الغربية وهضبة الجولان يعود بالأساس إلى أزمة المياه التي تعاني منها، كما أن عدم رضا دول حوض النيل عن اتفاقيات توزيع المياه بينها وبين مصر والسودان، أدى إلى عدم التوافق بينها، هذا فضلاً على أن قيام إثيوبيا ببناء سد النهضة، أدى إلى توتر في العلاقات بينها وبين كل من مصر والسودان، خشية أن يؤدي السد إلى التأثير على حصتيهما المقررة مسبقاً. كما شكك هذا الاتجاه في كيفية قيام الدول النفطية مثلاً، بتوزيع عوائد هذا المورد المهم، وما إذا كان يستغل العائد لمصلحة المواطنين كافة أم أنه يتم حرمان بعض الأقليات أو الأقاليم منه؟.
ولا شك أن هذا الحوار والجدال الذي دار في مجلس الأمن- ربما لأول مرة في تاريخ المنظمة الدولية - يشير إلى الخوف من أن يحتدم الصراع العسكري في المرحلة المقبلة بسبب الضغوط المتزايدة على استغلال الموارد الطبيعية المعرضة للنفاد بسبب كثافة استخراجها وسوء إدارتها، بل واستخدامها في تمويل الإرهاب من ناحية والجماعات المسلحة غير الشرعية من ناحية أخرى، ولا شك أن اتهام كل من قطر وإيران باستخدام عوائد الغاز الطبيعي والنفط خير دليل على ذلك، والذي أدى إلى احتمالات الصراع المسلح في المنطقة.
من ثم تدعو الأمم المتحدة وكافة المعاهد البحثية، إلى أهمية المساواة والعدالة في توزيع عوائد الموارد الطبيعية بين المواطنين، وضرورة تأكيد سيادة الدول في إدارة عمليات الاستخراج والاستخدام لمواردها الطبيعية، وأكدت في أجندة التنمية المستدامة 2030 الإدارة المستدامة والفاعلة في استخدام الموارد الطبيعية، التي تقود إلى الشراكة والتعاون بين الدول، وبذلك يتم وضع أسس السلام الدولي.
وقد يكون من المفيد أن نضيف إلى أنه مع التطور التكنولوجي المعاصر، فإن من الموارد الطبيعية، التي تحتاج إلى إدارة مستدامة وفاعلة، المجال العام، والمجال الافتراضي، إذ تحولا إلى موارد إنسانية لا يمكن أن يحتكرها أحد أو يتحكم فيها أو يُحرَم أحدٌ منها، فقد تحول المواطن من إنسان محلي إلى مواطن كوني يرنو إلى استخدام نصيبه من الموارد الطبيعية التقليدية (المياه، الطاقة والغذاء والأرض، والموارد الأحدث) المتصلة بالمجال العام والمجال الافتراضي.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"