مقهى إنساني

تجربة تعبر الصعاب في لبنان
03:42 صباحا
قراءة 3 دقائق
بيروت: سهيلة ناصر

يفرض القانون رقم 220/2000 الخاص بذوي الاحتياجات الخاصة في لبنان، في إحدى مواده على الشركات والمؤسسات وفي حالات معينة، توظيف نسبة من أشخاص هذه الفئة، ومع تلكؤ المؤسسات في تنفيذ أحكام القانون. قرر الشاب وسيم الحاج أن يستثمر في العمل الإنساني والخيري ويصنع فرقاً، ويعطي بارقة أمل لهذه الفئة لإبراز قدراتها ومهاراتها في مجتمع محدود، لا يجد فيه المختلف منفذاً للتعبير عن نفسه وبالتالي الحق في العمل والاندماج بالمجتمع. وإثبات أنهم فاعلون ومنتجون.
يقول الحاج: «أسست «أجونيست كافيه شوب»، أول مقهى من نوعه في لبنان، افتتح في منطقة «الزلقا» منذ شهرين، جميع موظفيه من ذوي الاحتياجات الخاصة واستوحيت التسمية من كلمة «أجونيست» الأجنبية وتستعمل في العلاج الفيزيائي وتعني «يساعد وينشط». ومنذ 3 سنوات راودتني فكرة استحداث عمل لذوي الاحتياجات الخاصة، ينخرطون من خلاله في المجتمع اللبناني، لتمكينهم اقتصادياً. وجعلتني طبيعة عملي على احتكاك مباشر معهم، ساعدت في تشكيل صورة واضحة عن القدرات الجسدية لهم. وأنه مع التدريب والتأهيل المناسب بإمكانهم القيام بأعمال معينة كأي شخص آخر، وربما لا يكمن الفرق إلا بالوقت الذي يحتاجونه للتعلم والذي قد يزيد على وقت الأشخاص الآخرين».
يكشف الحاج، الذي مول مشروعه على نفقته الخاصة بعد الحصول على قرض مصرفي، عن خوف راوده خلال التحضير للمشروع من عدم تقبل المجتمع وصعوبة التأقلم مع الفكرة، لكن الإيمان والشغف كانا أقوى للمضي قدماً. ويشدد على حماس وتشجيع الأهل في «الجمعية اللبنانية لمتلازمة داون»، مما ساهم في إنجاح الفكرة. ويقول: «كانوا يحلمون برؤية أولادهم يمارسون العمل كغيرهم من الناس. هذا الأمر دفعهم للتعاون معنا في التزام تولي نقل أولادهم من البيت إلى مكان العمل».
«إنه أكثر من مجرد مقهى وتناول فنجان قهوة».. هو الشعار الذي يعنون مقهى «أجونيست»، فيه الكثير من المحبة والصدق والسلام الداخلي. بارتيادك هذا المقهى، تلاحظ السعادة العارمة التي يشعر بها رواده وموظفوه على حد سواء، والتفاعل الملموس مع طاقم عمل فريد من نوعه يجبرك على الابتسامة بروحهم المرحة. هنا تغيب النظرة الفوقية ونظرات الشفقة والعطف. نحن أمام عاملين مختلفين في الشكل، أصحاب همم عالية قادرين على العطاء مثلنا والعمل بعرق الجبين. فريق عمل القلوب البيضاء يتألف من عشرة شباب وصبايا أصحاب «متلازمة دوان»، بحالات متفاوتة. الجميع يعمل وفق المهام الموكلة إليه بحسب مستوى قدراته، تحت صفات تجمع بينها الفرحة والقوة والنشاط والحيوية، والأهم الالتزام في العمل، من استقبال وتحضير وإعداد القهوة ومهمة خدمة الزبائن، بعد خضوعهم لعملية تدريب مكثفة من قبل مختصين في مجال الخدمات في المقاهي والمطاعم ما يقارب الثلاثة أشهر.
يقول الحاج: يزاولون أعمالهم في دوام محدد، تتراوح مدته ما بين 4 و9 ساعات يومياً، براتب شهري يصل تقريباً إلى 700 دولار. يلفت وسيم أن بعضهم، يرفضون أخذ يوم عطلة لشدة الحماس بممارسة هذا العمل.
يعبر غسان عبدالنور (42 عاماً)، الذي التقيناه، وهو يعاني اضطراباً في نموه الفكري عن سعادته بالتجربة إلى جانب زملاء العمل قائلاً: «هم بمثابة عائلتي الجديدة». موظفة المحاسبة فرح بلوط (29 عاماً)، تعاني خللاً في الجهاز العصبي، تضيف: «سبق وعملت في مكانين مختلفين، لكن أنا سعيدة في تجربتي هذه وبت أشعر بفرح كبير مع الناس الذين يتفاعلون معنا بكل مودة وحب». أما ماريا يونس، فوجهت تحية شكر إلى صاحب المبادرة، واصفة التجربة المهنية بالقول «أعطتني دافعاً معنوياً لم أكن أشعر به من قبل، وعززت ثقتي بنفسي أكثر»، مضيفة: «نحن بحاجة لفرصة لتثبت أننا منتجون».
أحد رواد المقهى، اعتبر أن «التجربة رائدة، والعمال يستحقون الاندماج وكل الدعم، ويجب تعميم التجربة في المناطق اللبنانية كافة».

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"