تونس.. تحالفات انتخابية معقدة

03:38 صباحا
قراءة 5 دقائق
د. محمد عز العرب *

يسعى العديد من الأحزاب السياسية التونسية للدخول في تحالفات انتخابية بما يؤدي إلى توسيع قاعدتها الجماهيرية، وضمان حصولها على عدد أكبر من المقاعد النيابية، وذلك قبل أشهر من موعد إجراء الانتخابات البرلمانية والرئاسية المقررة في شهري أكتوبر / تشرين الأول ونوفمبر / تشرين الثاني المقبلين، والتي أعلنت الهيئة العامة المستقلة للانتخابات تمديد فترة التسجيل لتلك الانتخابات من ال 22 من مايو / أيار الماضي إلى ال 15 من يونيو / حزيران الحالي.
غير أن هناك أحزاباً أخرى فضلت خوض الانتخابات بشكل منفرد، ومن بينها الجبهة الشعبية المعارضة، وحركة النهضة الحاكمة.
وفي هذا السياق، أكد رئيس حركة النهضة «راشد الغنوشي»، في تصريح لقناة «فرانس 24» بتاريخ ال 20 من مايو الماضي: «إن حزبه لن يقاطع الانتخابات المقبلة، لكنه لم يحدد الشخصية التي سيدعمها في الانتخابات الرئاسية»، مشيراً إلى أن «الحركة تبحث عن العصفور النادر الذي سيترشح بالتوافق للانتخابات الرئاسية»، كما صرح بأن «المرشح حمادي الجبالي هو ابن النهضة تاريخياً، ولكنه ليس جزءاً منها الآن، وقد ابتعد عن الحزب لرغبته في الترشح مستقلاً ولم يعد منخرطاً، لكن النهضة تحترمه».
واعترف «راشد الغنوشي» بأن شعبية الحزب قد تراجعت بعد وصوله للسلطة، إلا أنه لا يزال في صدارة الأحزاب التونسية على حد قوله، كما أكد تمسك الحركة باختيار مرشح توافقي للانتخابات الرئاسية، مشيراً إلى أن مشروع حركة النهضة يتمثل في الجمع بين الديمقراطية والإسلام، وهو ما ينص عليه الدستور من خلال الفصل بين الأول والثاني. ومن ثم، فإن حركة النهضة لم تبدِ استعداداً للدخول في تحالفات مع أي من الأحزاب قبل الانتخابات، وفي نفس الوقت لم يعلن أي حزب رغبته في عقد تحالفات مع النهضة.
كما قال أمين حزب الجبهة الشعبية زهير حمدي، في تصريح لوكالة الأنباء الروسية سبوتنيك بتاريخ ال 29 من مايو الماضي: «إن الجبهة الشعبية لن تشارك في الانتخابات القادمة ضمن تحالف انتخابي، وتخوض السباق الانتخابي بمرشح خاص للرئاسة، وبقوائم تابعة لها للانتخابات التشريعية»، مشيراً إلى «أن الجبهة تعد المعبر الأساسي عن روح الثورة التونسية، والأكثر التفافاً وقرباً للشعب التونسي، وتؤمن بقيم الثورة التي لا تتوفر في بقية الأحزاب الأخرى».
ويتزامن ذلك مع تصاعد الدعوات التي تخرج من قيادات أخرى للجبهة الشعبية بضرورة توسيع قاعدة التحالف اليساري في البلاد.
وقد عاشت البلاد تجربة التحالفات التي قادت إلى الترويكا بين أحزاب تختلف فكرياً وأيديولوجياً، وتحديداً بين نداء تونس والنهضة، على نحو قاد إلى توافق غير مقنع، بعد أن سادت المصالح الضيقة على حساب أي أبعاد أخرى. وتعثرت أيضاً الأحزاب المعبرة عن المرجعية الوسطية التي تستند إلى قيم الحداثة، حيث وضع لبناتها الأولى الرئيس الراحل الحبيب بورقيبة، ولعل وضع التشظي داخل حركة نداء تونس يعبر عن ذلك بوضوح. وينتظر أن يعلن الباجي قايد السبسي خلال الفترة المقبلة مبادرة للمِّ شمل الحزب، واختيار قيادة جديدة مقبولة من الجميع بعد الاحتجاج على تسلط ابن الرئيس حافظ السبسي، ورفضه تسليم القيادة.
في حين تشير تقارير أخرى إلى أن هناك عدداً من الأحزاب والقوى السياسية، وخاصة المنشقة عن حزب حركة نداء تونس، ستحمل مسمى «اتحاد نداء تونس»، لخوض الاستحقاقات المقبلة ومنافسة حركة النهضة، وإعادة التوازن للمشهد السياسي، ويشمل هذا التحالف كلاً من حافظ قائد السبسي المدير التنفيذي لحزب نداء تونس، ورضا بلحاج منسق «حزب تونس أولاً»، ومحسن مرزوق الأمين العام ل «حركة مشروع تونس»، والطاهر بن حسين رئيس «حزب المستقبل»، وسعيد العايدي رئيس «حزب بني وطني».
وتجدر الإشارة إلى أن ثمة تحالفات تشكلت في البلاد خلال الفترة الماضية، فضلاً على مشاورات لتشكيل تحالفات أخرى لتشكيل الكتلة الكبرة في السباق الانتخابي. فقد أعلن «حزب حراك تونس»، الذي يقوده الرئيس السابق المنصف المرزوقي عن تحالفه مع «حركة وفاء»، التي يرأسها المحامي عبد الرؤوف العيادي، لتشكيل جبهة انتخابية موحدة.
وأعلن حزب «تحيا تونس» المحسوب على رئيس الحكومة يوسف الشاهد اندماجه مع حزب «المبادرة الدستورية الديمقراطية» (يقوده وزير الوظيفة العمومية كمال مرجان)، بما يؤدي إلى «لم شمل العائلة الوسطية، وتوحيد القوى الوطنية والتقدمية ذات المرجعية المشتركة».

وأشار عدد من التقارير الصادرة عن الوسائل الإعلامية التونسية عن تواصل مشاورات بين حزب حركة «مشروع تونس» الذي يرأسه محسن مرزوق و«نداء تونس شق الحمامات» الذي يقوده سفيان طوبال (رئيس كتلة النداء في مجلس النواب)، بما يؤدي إلى اندماج بينهما. وقد انبثق الحزبان عن حركة «نداء تونس»، التي أسسها الرئيس السبسي عام 2012، وفازت في انتخابات 2014، قبل أن تنشق عن هذه الحركة عدة أحزاب، من بينها حزب «تحيا تونس».
كما أعلنت الهيئة السياسية ل «حزب المؤتمر من أجل الجمهورية»، في ال 20 من مايو الماضي، المشاركة في الانتخابات التشريعية المقبلة بقوائم مشتركة في إطار ائتلاف الكرامة. كما دعا الحزب بقية الأحزاب للانضمام إلى هذه المبادرة التي اعتبرها موحدة للصف الثوري.
وأعلنت أحزاب أخرى انفتاحها على مبدأ تشكيل تحالفات مع أحزاب أخرى، من بينها حزب البديل التونسي (الذي يترأسه رئيس الحكومة الأسبق مهدي جمعة) و«الحزب الدستوري الحر» بقيادة عبير موسى الذي نجح في ضم عدد كبير من مؤيدي النظام السابق، ولا سيما في ظل مقارنة قطاع من الرأي العام التونسي بين سنوات حكم زين العابدين بن علي وما آلت إليه الأوضاع اقتصادياً وأمنياً.
وكشف الاتحاد التونسي للمستقلين، خلال مؤتمر صحفي عقد في ال 17 من إبريل / نيسان 2019، عن تشكيل مبادرة سياسية جديدة تحمل اسم «مستقلون»، وهي نتاج تجميع القوى السياسية المستقلة، والجمعيات والمبادرات والشخصيات الوطنية التي تتقاسم نفس الأهداف والمبادئ، مثل مبادرة «فكرة» و«قادرون» و«نجمة تونس» و«يحيا الشعب» و«تونس العزيزة»، ويتمثل هدفها الأساسي في دعم موقع القوائم الانتخابية المستقلة والمعارضة.
خلاصة القول: إن تحالفات ما قبل الانتخابات التشريعية والرئاسية في تونس لا تزال مستمرة حتى الثلث الأول من يونيو الجاري، وقد تتضاعف خلال المرحلة المقبلة، إذ تهدف إلى وضع حد لانقسام القوى السياسية، وتغيير موازين القوى الحالية. غير أن هذه التحالفات الانتخابية لا تتسم بالقوة ما لم تستند إلى شعبية جماهيرية. فالكثير من هذه الأحزاب (يشير أحد التقديرات إلى أن عددها يتجاوز المئتي حزب) لا يعرفها الرأي العام التونسي. وتظل المعضلة الكبرى فيما بعد، إذ إن فشل الأحزاب في تجميع نفسها سيقود إلى صعوبة تشكيل حكومة في مرحلة ما بعد الانتخابات، حيث يؤدي التشتت إلى جعل كتل الأحزاب في مجلس النواب صغيرة ومتوسطة، وسيقلص حجم الكتل الكبيرة.

* رئيس وحدة الدراسات العربية والإقليمية - مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"