“الروبوت” يكتشف أسرار لغة الحيوانات

بعد تطويره وإضافة أبعاد تكنولوجية جديد ة إليه
13:37 مساء
قراءة 5 دقائق

أصبح الانسان على بعد خطوة واحدة من فك شيفرة لغة الحيوانات والطيور والحشرات وذلك بعد أن أضاف خواص للروبوتات الكائن الآلي مكنته من تقليد حركاتها ووضعياتها وأصواتها ولغاتها بشكل يصعب معه التفريق بين الروبوت والحيوان الحقيقي بالفعل!

هذا ما توصلت إليه جيل باتريسيلي الباحثة في علوم البيولوجيا في جامعة كاليفورنيا، عندما صممت روبوتاً قادراً على القيام بتلك المهام، وكانت الباحثة تهدف من اختراع هذا الروبوت إلى دراسة الاستعراضات العاطفية لطائرة الطيهوج (طائر كبير يعيش في الأحراش الكثيفة) فلكي توقع ذكور هذا الطائر الإناث في حبالها العاطفية، تقوم بملء جيب موجود عند البلعوم بالهواء ثم تفرغه بشكل مفاجئ ينتج عنه صوت يشبه الصوت الصادر عن زجاجة غازية عند فتح سدادتها.

والواقع أن هذه العملية لا تستغرق سوى 3 ثوان إلا أن الضجة الناتجة تكون مدهشة ومثيرة بالفعل فلكي تحسن الأنثى اختيار الذكر المناسب وهم كثر لا بد لها أن تقارن من حيث القدرة على اصدار الصوت خاصة أنها تكون متشابهة عندما تكون مجتمعة في مكان واسع، وكل ذكر يحاول استمالة أنثاه إليه من خلال قتال منافسيه بمنقاره ومخالبه، وعندما تجد إناث هذه الطيور ضالتها عند هذا الذكر أو ذاك، فإنها تعلمه بدورها بأنها وقعت في غرامه فكيف يتم ذلك؟

هذا ما أرادت الباحثة جيل باتريسيلي معرفته بالضبط، فهي تسعى إلى معرفة الحركة أو الإيماءة التي تجعل ذكر الطائر يضاعف من جهوده للايقاع بالأنثى، كل ذلك من خلال الروبوت الذي ترى فيه المفتاح الذي سيحل اللغة الإيمائية لهذه الطيور.

وكانت التجارب التي أجريت في العام الماضي قد أظهرت نتائج مرضية جداً حيث وضعت الباحثة الروبوت الطائر في موقع تكثر فيه طيور الطيهوج وشغلته بجهاز تحكم عن بعد مع سكة حديدية صغيرة يسير فوقها الربوت.

وكانت جيل تلاحظ عن بعد السلوك الذي تبديه الاناث عند تشغيلها للروبوت الذكر خاصة أنه مزود بكاميرا وميكروفونات لتسجيل صرخات الطيهوج وتصوير استعراضاته ومشاهدة تحركاته. فالباحثة جيل ارادت التحايل على الاناث كي تجعلها تتواصل مع الروبوت الطائر الذي تظهر عليه كل الصفات الخارجية ليبدو لها أنه حقيقي وحتى هذه التجربة لم يكن من السهل التأكد عملياً كيف تتكلم الحيوانات فيما بينها بالحركات والايماءات خاصة بين الطيور ومن خلال الدراسات الدقيقة تبين مثلاً ان الحمام عندما يترك زمرته ليطير منفرداً، فإنه يبدي أولاً حركات تلفت نظر الأفراد الآخرين بأنه عازم على ذلك، كأن يجلس القرفصاء ثم يرفع ذيله ثم يدخل رأسه تحت قائمتيه، أما اذا طار من دون أن يأخذ وقته اللازم لاكمال هذه الحركات، فمعنى ذلك أن ثمة أمراً مستعجلاً دفعه كي يفعل ذلك، كمشاهدته لحيوان مفترس أوشك على الهبوط في مكان وجوده، ولذلك فإذا شاهدت بقية السرب من الحمام رفيقها حلق من دون سابق انذار، فإنها لا تفكر بل تحلق مثله تماماً.

وبالطبع فإن هذه النتيجة تبدو مهمة للباحثين لكن المشاهدة البسيطة لحركات الحيوانات لها حدودها، فلو تابعنا مشهداً مصوراً لسلسلة من الحركات التي يقوم بها هذا الحيوان أو ذاك فكيف يمكننا معرفة الايماءة أو الحركة المحدودة أو المفتاح التي تجعل الحيوانات تتأثر بها أكثر من غيرها خاصة أننا نحن البشر لا نفقه كثيراً لغة الحيوانات إن لم نقل كلياً؟ هذا ما أراد علماء الحيوان المتخصصون بعادات الحيوانات وسلوكها اثباته باختراع الروبوتات، ولكن ربما يقول قائل لماذا لم تستخدم هذه الطريقة منذ وقت مبكر؟ والجواب بكل بساطة، هو أن هذه التقنية كانت حتى بداية التسعينات مقتصرة على بعض المجالات ولم يكن بالإمكان للعلماء تصميم حيل قادرة على تقليد حركات ووضعيات الحيوانات بشكل دقيق للغاية.

لكن مع تطور علم نمنمة الاجهزة الالكترونية (التصغير الفائق) تسارعت عملية تطوير الروبوتات لاسيما ان العناصر الالكترونية الداخلة في تركيبها تحدث خفيفة جداً كما أن البرامج التي تديرها عن بعد اصبحت بدورها متطورة جداً الى درجة أنه أصبح بالإمكان اليوم تقليد حركات الطيور بل وأصواتها بدرجة يصعب معها التمييز بين الحقيقي والمزيف، كما لم يعد استخدام الروبوت المقلد يقتصر على المختبرات بل أصبح استخدامه بشكل كبير في الحياة العادية أمراً طبيعياً كما هو الحال في خلايا النحل مثلاً، ففي بداية التسعينات صنع الباحث الدنماركي أكسل ميشلسون نحلة ميكانيكية يتكون جسمها من مادة الصفر (مزيج من النحاس والزنك) المغطاة بالشمع ويوجد في مؤخرتها شفرة حلاقة تعمل عمل الجناح.

وعلى الرغم من بدائية هذا الروبوت وتواضعه من ناحية التركيب إلا أن الباحث استطاع ان يلقي المزيد من النور على الطريقة التي يتواصل بها النحل مع اقرانه ضمن حيز محدد، ولاحظ الباحث ان النحل يشرع بالرقص عند الدخول الى الخلية حيث يهز بطنه ويرفرف بأجنحته وقد استطاع الباحث اكسل بروبوته المتواضع دراسة كل حالة على حدة ومعرفة أي نوع من المعلومات يتناقل النحل فيما بينه، ولذا ترك الباحث الروبوت يتحرك في مكان وجود النحل وجعله يحرك بطنه لكنه ترك ذيله غير متحرك أو على العكس كان يثبت بطنه ويحرك ذيله، كل ذلك من أجل ان يعرف ان كان النحل يتمكن من جلب طعامه من الخارج!

من المتوقع خلال السنوات المقبلة ان تمكن هذه الروبوتات الباحثين، من فك شيفرة كل المسائل المتعلقة بلغة الحيوانات وحثهم على تصميم تطبيقات حقيقية، فلو توصل الباحثون الى معرفة الشيفرة اللغوية التي تتواصل من خلالها الحيوانات، فإنهم سيتمكنون من التحكم بحركاتها وسلوكها ودفعها الى تنفيذ بعض المهام الخاصة، ومن الأمثلة الراهنة على هذا التطور ما قام به الباحثون مع الروبوت الفرنسي البلجيكي (Imsbot) الذي تمت تغطية هيكله بفرمونات مواد كيماوية ذات روائح معينة تفرزها الحيوانات ولا يمكن للانسان شمها. بل هذ تنتشر بين الحيوانات، حيث تمكن الروبوت من جذب الصراصير الى الأماكن التي لا توجد فيها في الأحوال العادية وهي الأماكن المضيئة.

واليوم يعتقد مصممو الروبوت امسبوت (Imsbot) ان بإمكانهم تطبيق معارفهم الجديدة على الحيوانات المستأنسة كالنعاج لدفعها الى التردد على أماكن علفها بشكل مستمر وبالتالي حثها على تناول المزيد من العلف كي تنمو بشكل اسرع.

ومن آخر الصيحات التي خرج بها العلماء في مجال الروبوتات اختراعهم لروبوت يحاكي حركة العظاية الاسترالية (جاكي دراجون) فهذا الحيوان يتحاور مع اقرانه عن طريق حركات الرأس والذنب السريعة جداً، لكنه كان من المستحيل صناعة روبوت سريعاً مثل سرعة الحيوان الأصلي ولذا فضل الباحث كريس ايفنز استخدام صور الفيديو، حيث يقوم ايفنز بعرضها على شاشة موضوعة في طرف مكان يوجد به الحيوان الذي سيقلد ذلك الموجود في الصور ثم يشاهد الباحث كيف يكون رد فعل العظاية الحقيقية حيث تظهر على الشاشة العظاية المصورة بالفيديو وهي تلعب بذيلها تحركه للأعلى والأسفل. وقد أكدت التجارب التي اجريت حتى الآن، أن هذا الحيوان يتصرف تماماً كما لو كان أمام حيوان من نفس جنسه، ويأمل الباحث ايفنز ان يتمكن يوماً ما من التوصل الى فهم اللغة الحركية الحركة والاشارة لهذه الحيوانات وربما غيرها، عندها فقط يمكننا القول إن حلم الدكتور دوليتل القديم قد تحقق بالفعل وأصبح بالإمكان التحدث الى الحيوانات بلغاتها.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"