الهاشمي يوثق العادات والتقاليد العمانية

يهد ف إلى تعميق القيم والأعراف في عقول الشباب
12:54 مساء
قراءة 4 دقائق
تناول الباحث الدكتور سعيد الهاشمي، الأستاذ بجامعة السلطان قابوس، عادات وتقاليد شمال المنطقة الشرقية بعمان، وذلك ضمن كتاب صدر مؤخراً يحمل عنوان (العادات والتقاليد لمرحلة الميلاد في المجتمع العماني بشمال الشرقية)، عن وزارة التراث والثقافة، وينتظم الإصدار في سلسلة متميزة من الإصدارات القيمة التي قدمها الدكتور سعيد محمد سعيد الهاشمي، ويعد إضافة قيمة للمكتبة العمانية، وتأتي أهمية الدراسة الميدانية من خلال الجهد الكبير الذي بذله الباحث في جمع وتوثيق العادات والتقاليد المرتبطة بدورة حياة الإنسان الأولى، لما بها من أدبيات وممارسات سلوكية أفرزتها تجارب الناس من خلال مواجهتهم للأحداث اليومية، ويعتبر ذلك اعتقادا طقسيا ربما لا تجد له تفسيراً علميا ولا مبررا. كما أن العادات والتقاليد سلوك لا شعوري يتداوله الناس بصورة فطرية وتؤمن به. ويعتبر الخروج على هذه العادات والتقاليد تحدياً لها ومروقاً عليها.

ويضيف الهاشمي في موضوع تناوله: أهمية دراسة هذه العادات والتقاليد هو تعميق الانتماء للقيم والأعراف في عقول ووجدان الشباب وذلك من أجل التصدي للتيارات الفكرية فهي طوق النجاة في طوفان العولمة التي تصاحب ثورة الاتصالات العملاقة والمعارف الكثيفة عبر القنوات الفضائية. وخوفا من انسياق الأجيال تحت هذه المظاهر من دون الالتفات إلى خصوصيات المجتمع وبالتالي ستصبح من دون هوية ولا حضارة، ولهذا فإن العادات والتقاليد في المجتمعات العربية والإسلامية بما فيها من القيم والأخلاق الفاضلة هي الحصن الحصين لهذه الأمة، فالتراث يحمل عناصر الأصالة، فهو الذي يمنح التواصل مع الماضي، وله القدرة على المعاصرة، ويبني مستقبلاً زاهراً من خلال أسلوبه في الحياة وأنماط مختلفة من السلوكيات والقيم الخلاّقة. فهذه السلوكيات المنتظمة والممارسات اليومية مع الحفاظ على القيم تحدد عناصر الثقافة ويكون بالتالي هوية يحتذى بها، وينعكس ذلك على النظم السياسية والتشريعية والاجتماعية والتربوية، ولذلك لا يمكن أن يتم التغيير في واقع المجتمع من دون الرجوع إلى ماضي هذا المجتمع.

ويؤكد: أما ما يتصل بموضوع الدراسة فقد اعتمدت على بحث ميداني بمنطقة شمال الشرقية وشملت (6 ولايات) وشارك فيه 28 باحثا ميدانيا من حملة الثانوية ومن لهم تجارب في هذا المجال، وذلك بموجب مجموعة من الأسئلة، بلغت (211 سؤالاً)، وتم طرحها على الرواة، والبالغ عددهم ،125 وتم تسجيل رواياتهم في 164 شريطاً، وتكرر طرح السؤال الواحد على معظم الرواة.

وحول معالجتها قال: عالجت الأسئلة المطروحة على الرواة ثلاث مراحل من حياة الإنسان المرحلة الأولى: تبدأ من أول الحمل وحتى ظهور علامات الوضع والمرحلة الثانية: تتعلق بالولادة وكيفيتها والطقوس المرتبطة بها والثالثة: تبدأ بعد الولادة وتنتهي عند سن البلوغ كما أضيف إلى ذلك مجموعة من الحالات الخاصة مثل: الإجهاض والتوائم والحمل الكاذب والعقم، والتي ترتبط بالمراحل السابقة.

وانقسمت الدراسة إلى خمسة فصول حيث يتناول الفصل الأول العادات والتقاليد ما قبل الميلاد حيث يعالج أهمية الإنجاب والحمل وما يتبعه من العلامات ثم الاستعداد للولادة، وخصص الفصل الثاني لعملية الولادة والعناية بالأم والمولود والعادات الاجتماعية المتعلقة بها، أما الفصل الثالث فركز على العناية بالطفل من حيث صحته وملابسه ورضاعته وتسميته والاحتفالات المتعلقة بهذا الخصوص، ويوضح الفصل الرابع أساليب تطبيع الأم لطفلها كالفطام والتنشئة والتسنين والتعليم والختان والبلوغ، بينما تم تخصيص الفصل الخامس للحالات الخاصة مثل العقم والإجهاض والتوائم والحمل الكاذب وغيرها من الحالات المتعلقة بالأم.

واعتمد الباحث على الدراسة الميدانية، مع المقارنة بالمراجع والدراسات السابقة الميدانية التي أجراها مركز التراث الشعبي في المجتمع الخليجي مع التأكيد على خصوصية كل منطقة، واستشهد الباحث بقول الرواة من دون التدخل في المعلومة، لكنه كان يعطي معنى الكلمة بين قوسين، مثاله: أذاك (ذلك) شروى (مثل) فلان، لكن يتدخل الباحث في التكرار حيث إن بعض الراويات تتكرر إجاباتهن، أقولش، أقولش، ما يسويوا لها شيء البر، قتلش ما يسويوا لها البر البر، فيحذف المكرر منه دون إخلال في المعنى

ويضيف الدكتور: يجب أن أنوه هنا بأن هذا البحث يقوم بجمع مادة تراثية خاصة بالعادات والتقاليد السائدة في المجتمع لأجل تقديمها للمجتمع والحفاظ عليها من الاندثار من دون أن يقوم الباحث بتحليل هذه المادة أي أنه من دون أن يتصدى بدراسة هذه العادة وهل تنسجم مع الشريعة الإسلامية أم لا؟ إنما هذه العادات هي ما خلفتها الطبيعة الإنسانية في هذا المجتمع الذي اختلط فيه التأثير الديني والقبلي وما جربته هذه الأجيال وهذه العادات سواء يتقبلها المجتمع العماني أم لا فهي موجودة وتمارس في هذا المجتمع بصورة شرعية أو لا، ومثاله: الاعتقاد في السحر والجن والشياطين وأعين الناس والحسد، وأفعال لا يقرها الإسلام كالتمائم ونحوها. لهذا فإنه يقتصر بحثنا على جمع هذه الممارسات في الموضوعات المختلفة من دون تحليلها والوصول إلى مدلولها الاجتماعي والثقافي.

إن المعاناة التي يجب أن تذكر هنا أن معظم الراويات أميات لا يتمكن من القراءة ولا الكتابة، ولهذا فإن معلوماتهن إما أنهن سمعن أو شاهدن، أو جربن، ولذلك فإن معظم الإجابات متكررة، وتجاوبها مع الجامعات كانت من حسن الحياء حيث إن هناك أمورا لا تفصح الراوية عنها أو لا يحسن الحديث عنها ولذلك يفضلن ألا تكتب الإجابة أو لا تسجل، ويكتفى بالسمع من دون غيره حيث الاعتقاد أن هذا الموضوع يمكن أن يطلع عليه الرجال مع حرصنا على أنه لا يمكن أن يطلع عليه أو يسمعه أحد من غير المختصين، ولهذا تلجأ بعض الراويات ألا تذكر اسمها ويتم التخاطب معها بكنيتها فقط ولهذا حفظنا ذلك العهد فلم نشأ أن نذكر أسماءهن في عرضنا هذا واكتفينا أن نذكر أسماءهن كملحق لهذا الكتاب.

والجدير بالذكر أن الدكتور سعيد الهاشمي من مواليد 1960 بولاية الكامل والوافي وحاصل على درجة الدكتوراه من جامعة ليدز البريطانية ويعمل محاضرا أكاديميا بقسم التاريخ في جامعة السلطان قابوس وصدر له عدة مؤلفات من أهمها إتحاف الأعيان ج3 (ترتيب وتبويب) وموسوعة أرض عمان (مشاركة) ومسقط أصالة ومعاصرة (مراجعة ووضع هوامش) والمخطوطات العمانية بالخارج وقصص وأخبار جرت في عُمان (دراسة وتحقيق) وغاية السلوان في زيارة الباروني لعمان وله أكثر من 50 بحثا منشورا وحاز على شهادات تقدير وشكر من مؤسسات مختلفة ونال وسام صاحب الجلالة في الإبداع الثقافي عام 2006 ويأتي هذا الإصدار ضمن مشروع وزارة التراث والثقافة بنشر إبداعات الكتاب العمانيين.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"