جميل عطية إبراهيم: العولمة هزمت الجغرافيا

ولدت منظمة التجارة العالمية على يديه
13:12 مساء
قراءة 4 دقائق

يقول مفتخرا: ولدت منظمة التجارة العالمية على يدي حيث كان مراسلاً لسنوات طويلة لوسائل إعلام عربية وغربية من جنيف العاصمة السويسرية، هو الروائي المصري جميل عطية إبراهيم الذي أنجز روايات حاول أن يفسر فيها التحولات التي تجري بالعالم، وكيف تتفاهم الشعوب، ونظرة الغرب للعالم الثالث والعكس، كما دانت رواياته همجية آلة الحرب الأمريكية والإسرائيلية وتكريس نظام القوة العالمية الوحيدة.

الخليج التقت جميل عطية إبراهيم أثناء زيارته للقاهرة فإلى التفاصيل:

كيف تلخص محطات حياتك حتى الوصول لهذه المكانة كواحد من الأدباء العرب الكبار؟

- عندما تخرجت في الجامعة عام 1961م، سافرت للمغرب وعملت عدة سنوات، ثم عدت للقاهرة وعملت بوزارة الشباب المصرية كمفتش مالي وإداري بحكم تخصصي، ثم انتقلت للثقافة الجماهيرية بعد كتابة العديد من القصص، ومنذ عام 1979 أقمت إقامة كاملة في المغرب. ثم انهمكت في الكتابة وتوقفت عن الدراسات الأدبية، ولكن بعدها رأيت أنني في حاجة ماسة لدراسة أكاديمية لمجالات عدة، فالتحقت بأكاديمية الفنون بمصر إلى أن حصلت على ماجستير في تاريخ الفن، وكان موضوعي الفن في عصور ما قبل التاريخ في إفريقيا، بما اضطرني للسفر للخارج لاستكماله، ثم توقفت عن الدراسة الأكاديمية الفنية لأنني درست تاريخ الفن التشكيلي ليس للعمل به ولكن لإجادة كتابة الرواية والقصة القصيرة، كما أنني قبل تخرجي في الجامعة التحقت بمعهد الفنون العربية، لتجويد مهارتي في الكتابة الإبداعية.

ثم سعيت للعمل بسويسرا وفقا لخبراتي الصحافية السابقة، وراسلت الصحف وعملت مع عدد من الإذاعات والتلفزيونات العربية وتابعت القضايا المثارة في الأمم المتحدة في ظل الحرب الباردة، وهكذا أعطاني خبرات ومعرفة بقضايا عدة، وتابعت أهم الأحداث كإنشاء منظمة التجارة العالمية، وتأثيرها في العالم الثالث، وكنت في كواليس السياسة العالمية، وشاهدت سقوط جدار برلين وبزوغ القطب الواحد.

هل تمكنت من امتلاك مفاتيح الشخصية السويسرية، وهل يمكن مقارنتها بالشخصية العربية؟

- لا يمكن مقارنة الشخصية السويسرية بالعربية، فمن جهة الناس متساوون ولا تتميز السويسرية على العربية في شيء ولا العكس، ولكنه خلاف العادات والتقاليد، ومسألة العادات لديهم عميقة جدا، ولها تراث وناشئة من تاريخهم حتى إن الشخصية السويسرية تفخر بأنها لا يمكن أن تتكامل مع الغرب، رغم أن الدول الصغيرة كانت تسعى للانضمام للأمم المتحدة كعضو، ورغم أن سويسرا هي المستفيد الأكبر من الانضمام للأمم المتحدة فمقر الأمم المتحدة عندهم ولديهم 14 منظمة تابعة للأمم المتحدة، ودخل جنيف يعود للأمم المتحدة، وهذا لم يقنع الشعب بالانضمام للأمم المتحدة إلا منذ عامين فقط.

ومن مكونات الشخصية السويسرية التميز، لذا فهم يرفضون كشعب الانضمام حتى للاتحاد الأوروبي، رغم أنها جزء من وسط أوروبا، ويقبلون بالتعاون فقط، ورفضهم التعامل بعملة اليورو الأوروبية، هذا الغموض لا يفهمه الأوروبي وبعض السويسريين لا يفهمونه، لأنه بلد متعدد الثقافات: ثقافة ألمانية، وإيطالية وفرنسية، ومحلية سويسرية، ويقولون: سويسرا حالة خاصة، خذ مثلا، الضرائب، فالحكومة لا تستطيع فرض الضرائب على الشعب، فالشعب يستطيع أن يلغي الضرائب، وسويسرا من أغنى الدول، وحكومتها مديونة لا تفهم، حتى إن الحكومة لو اتخذت أي قرار نجد أن 100 ألف مواطن ممكن أن يلغوه فورا إذا اجتمعوا على ذلك، فعندهم ديمقراطية مضاعفة، ستجد الاتحاد الأوروبي به برلمان، إذا وافق على أمر ينتهي النقاش، لكن السويسريين يقولون إن البرلمان يخطئ والشعب عنده استفتاء يناقش أي قرار، ويلغيه، وهذه حالة خاصة.

مثال آخر، المعيشة في سلام، شعب يتحدث ثلاث لغات كبيرة ولغة رابعة، ويعيشون بسلام وكل كانتون له استقلاليته، وجنيف يطلقون عليها جمهورية، والنظام السياسي يجمع بين الفيدرالية والكونفدرالية، ورئيس جنيف يطلق عليه رئيس جمهورية وعنده جيش كأنها دولة، وكان هذا من شروط الانضمام للاتحاد السويسري عام ،1848 حينما تكونت سويسرا الموحدة، وتراثهم بني على حروب عنيفة، ولكن وصلوا لصيغة سلام، وتجد هناك الحرية للكانتونات، والحكومة الفيدرالية مهمتها السياسة الخارجية والدفاع، ولكن لا يتدخل رئيس الفيدرالية بقرار كانتون جنيف، حتى لو قرر الأخير الذهاب لفرنسا بدلا من سويسرا.

وبالتالي من الصعب عليّ وأنا أنتمي للعالم الثالث أن أفهم ذلك.. أيضا قسوة المناخ، عندهم جبال الألب شيء ضخم وصارخ، وتأثيراته المناخية صعبة والظروف الصعبة فرضت عليهم احترام النظام لدرجة مجنونة، وقيمة الإنسان بكفاءة عمله، فالشعب يسير مثل الساعة.. مدير بنك شكا مرة لن أرد على من يقول لي صباح الخير، لأني أستقبل في اليوم 600 عميل، وأريد أن أعرف ماذا يريد كل عميل بأقل وقت كل ذلك يوضح لك سمات تلك الشخصية العجيبة.

هل تختلف حالتك الإبداعية كأديب في الغربة عن وطنك؟

- بالطبع، في الغربة لا أرى الشمس، الدنيا برد، أريد الزحام الذي اعتدت عليه في شوارع مصر، والمواصلات نصفها فارغ، الشوارع نظيفة وهادئة، اللغة أيضا ليست وسيلة لإرسال رسائل فحسب، ولكن استخدامها حالة بيولوجية واجتماعية، فإنسان محروم من اللغة العربية يعاني غربة كبيرة، ولم يكن الإعلام يصل لنا مثل الآن، بالطبع عانيت سنوات كثيرة حتى أتمكن من الكتابة الإبداعية وسط هذه الأجواء، الآن الوضع تغير وقبل أن تقرأ الصحف، تجد الإنترنت ينقل لك الأخبار ويربطك بعالمك، مما سهل نسبيا الحياة في الغربة.

شهرزاد على بحيرة جنيف رواية دانت إسرائيل وكانت شاهدا على الفروق بين العرب والغرب.. ما الذي دفعك لكتابة هذا العمل الإبداعي؟

- كنت أعمل على مشروع أنجزت منه ثلاث روايات حول العولمة وتأثيراتها على الشرق وبزوغ الشركات العابرة للقارات فكتبت خزانة الكلام، نخلة على الحافة، المسألة الهمجية عن حقوق الإنسان ومحاكمة مجرمي الحرب، وضرورة محاكمة شارون كمجرم حرب بعد صبرا وشاتيلا، وكان ذلك يتطلب الانتهاء برواية أتصل بها بالتراث الشرقي كما تمثله شهرزاد وشهريار، ونقلت التصادم مع الغرب في جنيف، حيث مجلس حقوق الإنسان والأمم المتحدة، فكتبت معادلة المعايشة، ونقلت الأجواء العامة لشخصية شهرزاد وعلاقتها بالجني والبلورة المسحورة، والبلورة لا تختلف عن الكمبيوتر، والانترنت يجعلك تعيش في مكانين في وقت واحد، فأنت تعيش هنا وترى وقوع البرجين لحظة حدوث ذلك فالعولمة هزمت الجغرافيا لمصلحة الوقت الحاضر واللحظة الآنية، العجيب أن شهرزاد ذهبت لجنيف تطالب بالحقوق الأدبية على اعتبار أن ذلك من اختراعها.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"