مستكشفون وضباط ومغامرون يرسمون صورة عمان قديماً

إمبراطوريتها امتدت من جوادر في باكستان إلى زنجبار
00:10 صباحا
قراءة 5 دقائق
مسقط «الخليج»:

سلطنة عمان إحدى دول الخليج العربي، التي تضرب بجذورها في أعماق التاريخ، وامتدت الإمبراطورية العمانية قديما إلى جوادر في باكستان وزنجبار في شرق إفريقيا، وما زالت الشواهد العمانية حاضرة هناك حتى الآن.

وخلال القرون الماضية، عاشت سلطنة عمان العديد من الأحداث والتحولات التاريخية والسياسية والاجتماعية والثقافية الكبرى، التي رصدها العديد من الرحالة والمؤرخين الأجانب، خلال زياراتهم للسلطنة.

ويبقى السؤال: ما صورة السلطنة لدى الرحالة والمؤرخين الأجانب في القرون الماضية؟ ماذا كتبوا عنها؟ وما نمط الحياة الاجتماعية والاقتصادية الذي كان سائداً في الماضي؟ وكيف وصف المؤرخون أهل عمان؟
الباحث العماني أحمد الفلاحي أعد دراسة مهمة عن عمان والمؤرخين الأجانب، نورد أهم تفاصيلها:
في كتابه «الخليج» تحدث الرحالة البرتغالي تومي بيريز عن قريات العمانية، وقال عنها: (فيها تجارة مزدهرة ومواد غذائية كثيرة، فضلاً عن الخيول الممتازة في نوعيتها، حيث كان التجار يقومون بشرائها وتصديرها إلى الهند)، وأيضاً من الرحالة الذين جاؤوا عمان في منتصف القرن السابع عشر، المبشر الفرنسي فيليب دور، وجاء في العام 1636، وقد رأى في مسقط تحصينات هائلة للبرتغاليين، وقدم وصفاً دقيقاً لميناء مسقط وتحصيناته والمدفعية المثبتة فوق الجبل للدفاع عن المدينة، كما وصف صحار وقريات وبعض المناطق الأخرى، وفي العام 1669، جاء الفرنسي مارتن فرانسوا، وتحدث كشاهد عيان عن المعارك التي يخوضها أهل عمان ضد البرتغاليين، والسفن التي يبحرون فيها لهذا الغرض.
وفي العام 1705، زار عمان القائد العسكري البريطاني «لاكير»، وذكر أن مسقط تحسنت كثيراً منذ أن تحررت من الاستعمار البرتغالي، وقال إنه شاهد في ميناء مسقط أربع عشرة سفينة حربية، وعشرين سفينة تجارية، وأن إحدى هذه السفن كانت تحمل سبعين مدفعاً.
وفي العام 1721، جاء إلى مسقط الكسندر هاملتون، وهو عسكري انجليزي، وقد أدهشه الأسطول العماني، وقال عنه إنه (يتألف من سفينة كبيرة تحمل أربعة وسبعين مدفعاً، وسفينتين كبيرتين، تحمل كل واحدة منهما ستين مدفعاً، وواحدة تحمل خمسين مدفعاً، وهناك ثماني عشرة سفينة صغيرة، تحمل كل واحدة ما بين أربعة إلى ثمانية مدافع).
وفي العام 1800، زار مسقط الضابط البريطاني ديفيد ستون، مبعوثاً من حكومته ليكون ممثلاً مقيماً لشركة الهند الشرقية في مسقط، وترك يوميات دون فيها الكثير، وفي هذه اليوميات وصف موجز لرحلة السلطان سلطان بن أحمد، إلى البحرين وبعض موانئ الخليج، على متن السفينة السلطانية ( الجنجافة ).
ومن الرحالة الذين جاءوا إلى مسقط في بدايات القرن التاسع عشر، كما يذكر الباحث أحمد الفلاحي في دراسة له، الرحالة الإيطالي فينزو نزو، وقد كتب عن مسقط (الفواكه والخضروات متوافرة بها ومنها التمور والبرتقال والليمون، وكذلك تتوافر لحوم الماشية والدواجن، وتباع بأرخص الأسعار، عدا أن البحر يزودها يوميا بأطنان من الأسماك، ولشدة الحر في مسقط فإن السلطان وعلية القوم، يخرجون إلى بركاء خلال شهري يونيو/حزيران ويوليو/تموز، حيث يكون الجو فيهما ألطف).
وفي العام 1822، جاء إلى مسقط الضابط البريطاني أوين، وقد كتب وصفا للمدينة وأهلها، وتحدث عن لقائه مع السلطان سعيد، وأشاد بشخصيته، ومن الضباط الإنجليز الذين زاروا عمان وليستد، وقد وصل مسقط في العام 1835، وقابل السلطان سعيد، ثم قام بزيارة إلى جعلان، وأثنى على أهلها ومعاملتهم الحسنة له، وبعد ذلك زار نزوى والمناطق المحيطة بها، والتقى هناك زميله الضابط البريطاني وايتلوك، الذي قال إنه جاء عمان في إجازة قصيرة لتعلم اللغة العربية، وقد ألف وليستد ووايتلوك كتابين عن وصف رحلتيهما وتنقلاتهما في عمان.
من أشهر الرحالة الذين جاءوا إلى عمان عالم النبات الفرنسي ريمى اوشر ايلوى وقد قام برحلة إلى الجبل الأخضر ونزوى وأزكى وأعجب بغابات النخيل ومزارع السكر في نزوى وبهلى وبأشجار الفاكهة في الجبل الأخضر. وقال: «حين كنا نصعد سفوح الجبل الأخضر، اختفت عن أنظارنا غابات النخيل، وظهرت لنا أشجار الفاكهة الخاصة بالمناطق معتدلة المناخ، كالجوز والتين والمشمش والكرز، ومعروشات العنب، بالإضافة إلى الرمان الذي تتكاثر أشجاره هناك، وفي نزوى وما حولها كانت هناك مع النخيل أشجار الليمون والمانجو والموز والرمان وحقول السكر والقطن والبرسيم»، وكان الهدف من رحلة هذا العالم البحث عن النباتات النادرة التي وصفت له في منطقة الجبل الأخضر والوديان المحيطة به، وقد وجد هناك مئتين وخمسين نوعاً من النباتات، أضافها إلى ما سجله من نباتات رآها في رحلاته، وقد بلغ عدد ما سجله ما يزيد على خمسة عشر ألفاً من الأصناف، جمعها من مصر والشام والعراق وبلاد المغرب وتركيا وإيران وآسيا الوسطى، وقد بعث بها جميعا مع ما كتبه من وصف وملاحظات، إلى متحف باريس للعلوم الطبيعية، قبيل وفاته في العام 1839.
وفى أوائل القرن العشرين، زار السلطنة الكثير من الرحالة الأجانب، منهم تيودور بنت وزوجته، التي أتمت كتاب زوجها بعد وفاته، عن رحلاتهما في بلاد العرب، وتحدثت الليدي بنت في الكتاب عن زيارتهما لظفار، وأبدت دهشتها من خصوبة هذه المنطقة، ووفرة مياهها وأنواع الزراعة فيها، وآثارها القديمة، وتحدثت كذلك عن جبل ظفار وسكانه، وعن الوالي سليمان، الذي رحب بهما واستضافهما، ثم وصفت طريقة استخراج اللبان من جبال ظفار، وقالت: «في تلك الوديان وجدنا أجمل بقاع العالم، مما جعلنا نتساءل: هل تستطيع بلاد العرب القاحلة إنتاج مثل هذه البقعة الجميلة؟ إنها إحدى المفاجآت التي واجهناها في حياتنا، فقد رأينا الطيور المائية والنباتات بشكل وافر، وسفوح الجبال كانت ملأى بأشجار الجميز والصمغ العربي وأزهار الياسمين وشجر اللبلاب».
أما الرحالة برترام توماس، فقد وصل مسقط في العام 1910، وشغل منصب مستشار الشؤون المالية للسلطان تيمور، وكان وزيراً في حكومته لعدة سنوات.. وكتب عن ظفار: «كان المنظر تحت نافذتي يرسم صورة رائعة لصنوف من أشجار جوز الهند، وتعد ظفار من المناطق المحظوظة التي تتميز بمناخ فريد، إذ تهب عليها الرياح الموسمية خلال شهور الصيف والأمطار الغزيرة، تحيلها إلى فردوس مقيم، وعلى هضاب هذه المنطقة، تتكاثر أشجار اللبان التي يرجع لها الفضل في شهرة هذه المنطقة، فهذا المحصول القيم مصدر رخاء لمنطقة ظفار».

رحلة برية

في العام 1955 رافق الصحفي البريطاني جيمس موريس، السلطان سعيد بن تيمور، في رحلته البرية الشهيرة، من ظفار إلى مسقط، وقد كتب عن ذلك كتاباً فيه وصف كامل لتلك الرحلة، ولما شاهده الكاتب في ظفار ومسقط ونزوى والبريمي والمدن والصحارى، التي مرت بها الرحلة، كما تحدث عن الأحداث والمشاكل التي شهدتها عمان في ذلك الوقت، وكتب عن نزوى: «نزوى تسيطر على مفرق طرق مهم للطرق التجارية، كما تشرف على الممر المؤدي إلى الجبل الأخضر، ولعلها بجداولها الأربعة، أكثر مدن عمان وفرة في المياه، أضف إلى ذلك، أنها مركز تاريخي وأشجار النخيل هناك يانعة، وواديها عامر بالماء، حتى لتبدو من أعلى، زرقاء متلألئة، وتشرف قلعتها المستديرة التى بنيت في القرن الخامس عشر، على شوارع البلدة العتيقة، وتمتد صفوف بيوتها، وهي مربعة الشكل على جانب الوادي».
أيضا هناك ويندول فيلبس، وهو أمريكي مستكشف بترول ومنقب عن الآثار، زار السلطنة في أواخر الخمسينات من القرن الماضي، وقد صارت له صداقة مع السلطان سعيد بن تيمور، وقد نشر له كتاب «عمان المجهولة»، وتحدث فيه عن رحلته إلى عمان، وتجربته في البحث عن الآثار في صحار وظفار، وكتب عن ساحل الباطنة: «من السويق حيث الحصن الثالث على ساحل الباطنة إلى الخابورة، كان الممر ضيقاً، وكنا نسير في أراضي النخيل، وبعد أن رحلنا عن القرى الساحلية في صحم، عبرت القافلة ثلاثة أودية، وبعد ذلك وصلنا إلى مقصدنا، وهي صحار، المدينة الرئيسية على ساحل الباطنة»..

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"