الاستثمار (2 ــ 2)

02:39 صباحا
قراءة 3 دقائق
د. عارف الشيخ

هناك علاقة بين الاستثمار والفكر عموماً، ففي النظام الرأسمالي العالمي معروف أن الفكر الرأسمالي هو الذي يسيّر عجلة الاستثمار، وفي النظام الشيوعي أيام الاتحاد السوفييتي، كان الفكر الشيوعي هو الذي يسيّر عملية الاستثمار في ذلك العهد.
إذا كان كذلك فإن الاستثمار الإسلامي، لا بد أن يسيطر عليه الفكر الاقتصادي الإسلامي، ولا سيما أن المسلم عقيدة قبل أن يكون عملاً، وأنه خليفة الله تعالى في الأرض، فلا ينبغي أن يتحرك إلا حسب المنهج الرباني، هذا إذا أراد أن يعمر الكون، وأن يتصف بالعدل والحق.
ولعل الفرق الآن أصبح واضحاً بين الفكر الاستثماري الإسلامي، والفكر الاستثماري غير الإسلامي، فالأول يطلب رضا الله تعالى أولاً في عمل اليوم والليلة، والثاني يضع مصالحه الشخصية، ثم مصالح قومه.
انظر إلى قوله تعالى: «ويطعمون الطعام على حبه مسكيناً ويتيماً وأسيراً، إنما نطعمكم لوجه الله لا نريد منكم جزاء ولا شكوراً». (الآيتان: 8 -9 من سورة الإنسان)
نعم.. فغير المسلم يستثمر أمواله بطرق ربوية مستغلاً أموال الناس في سبيل مصلحته الشخصية، وقد قال الله تعالى: «وما آتيتم من ربا ليربو في أموال الناس فلا يربو عند الله وما آتيتم من زكاة تريدون وجه الله فأولئك هم المضعفون». (الآية: 39 من سورة الروم)
ومن هنا فإن المسلم يستثمر أمواله، لكنه يجتنب المحرمات، لأن الفائدة المرجوة عنده ليست ما يحصله في الدنيا، بل ما عند الله خير وأبقى، فالمهم ألا يخسر آخرته.
إذن فإن الاستثمار الإسلامي يقوم على أربع دعامات:
* الدعامة الأول: الفكر الاقتصادي الإسلامي القويم.
* الدعامة الثانية: القيم والأخلاق والمبادئ، فلا غش ولا استغلال ولا خداع ولا تطفيف في الكيل، بل العدل والصدق والأمانة والسماحة في البيع والشراء.
(انظر مبدأ الرضا في العقود للدكتور رفعت العوض ص 733- 850)
* والدعامة الثالثة: هي التنافس الشريف، وعلى الدولة أن توفر الفرص للجميع من غير تدخل منها بل تحميس السوق فقط بالضوابط الشرعية التي تحمي الضعفاء من بطش الأقوياء.
* الدعامة الرابعة: تحريم الظلم والربا، فالقاعدة العامة في الإسلام تقول: «يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلا أن تكون تجارة عن تراضٍ منكم». (الآية: 29 من سورة النساء)
فالأصل أن يكون البيع حلالاً، قال الله تعالى: «وأحل الله البيع»، كما أن الأصل أن كل ما يؤدي إلى الظلم والتعدي هو من أكل أموال الناس بالباطل.
ولعل أشد أنواع الظلم والتعدي هو المعاملة بالربا، والمعاملة بالقمار، ولقد دخل الربا والقمار اليوم ثلاثة أرباع معاملات الناس، مما يجعلنا نقول: كفانا تقليد الغرب في كل شيء، ولا سيما أن الغرب نفسه بدأ ينظر إلى الاقتصاد الإسلامي بأنه مبني على قواعد متينة، وأنه يضمن للمتعامل معه رأس المال والربح، مما جعل الكثير من الغربيين يقتنعون اليوم بالتعامل مع البنوك الإسلامي، هرباً من الأنظمة الربوية الجائرة، والضرائب الباهظة التي تكاد تأتي على كل أموالهم.
فلنشد إذن على أيدي رجال المال والاقتصاد وكل المستثمرين، ونقول لهم «التاجر الصدوق الأمين مع النبيين والصديقين والشهداء». (رواه الترمذي)
ونقول أيضاً: الإسلام منهج رباني شامل للحياة، فهو إيمان وأمان، وهو عقيدة وعمل واطمئنان، وهو عبادة ومعاملة وفكر وأخلاق وعمران.
والمتأمل في الفقه الإسلامي يجد أن ما يتعلق بالعبادات هو الأقل، وما يتعلق بالمعاملات والعادات هو الأكثر، حتى أن بعض العبادات يتعلق بالجانب المالي أيضاً كالزكاة من حيث مواردها، وبالجانب الاجتماعي من حيث مصارفها.
إذن فالاستثمار أصل من أصول الدين. (انظر حكم الاستثمار في الأسهم للقره داغي)

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"