«النواب» الديمقراطي.. هل يفرمل ترامب؟

03:23 صباحا
قراءة 5 دقائق
د. محمد فراج أبو النور*

أسفرت انتخابات التجديد النصفي للكونجرس الأمريكي عن فوز الحزب الديمقراطي بالأغلبية في مجلس النواب (ب225 مقعداً مقابل 197 مقعداً للجمهوريين).. ويتكون المجلس من 345 عضواً، يمثل 218 منهم الأغلبية العددية، وبهذا الفوز يستعيد الديمقراطيون أغلبية مجلس النواب للمرة الأولى منذ عام 2010. بينما احتفظ الحزب الجمهوري بالأغلبية في مجلس الشيوخ.. الغرفة العليا للكونجرس (51 مقعداً من أصل مئة، مقابل 45 مقعداً للديمقراطيين).
كانت هذه الانتخابات قد حظيت باهتمام كبير، حيث إن المراقبين اعتبروها بمنزلة «استفتاء شعبي» على الرئيس الأمريكي ترامب، الذي شارك في الحملة الانتخابية للحزب الجمهوري بنشاط كبير، بما يؤكد إدراكه أن حصوله على ولاية ثانية يتوقف بدرجة كبيرة على نتائج تلك الانتخابات، التي اتسمت المنافسة فيها بسخونة ملحوظة.

* انتزاع

قراطيين للأغلبية في مجلس النواب يعيد قدراً كبيراً من التوازن لعلاقات القوى السياسية بين الحزبين الكبيرين من ناحية، وبين السلطتين التنفيذية والتشريعية من ناحية أخرى.. حيث كانت سيطرة الجمهوريين على الرئاسة وعلى المجلسين التشريعيين معاً تمثل وضعاً احتكارياً لصالحهم، يضعف كثيراً من قدرة الحزب الديمقراطي على التأثير في صناعة القرارات، سواء فيما يتصل بالسياسة الداخلية أو الخارجية.
ومعروف أن الصلاحيات (السلطات) تتوزع - وفقاً للدستور الأمريكي - بصورة تضمن توازناً دقيقاً بين السلطتين التنفيذية (الرئيس والإدارة) من جهة، وبين مجلس الكونجرس من جهة أخرى.
وعلى سبيل المثال فإن الرئيس يملك صلاحيات إدارة السياسة الخارجية وترشيح المسؤولين للمناصب الحكومية، بمن فيهم الوزراء ورؤساء هيئات الأمن القومي والسفراء.. إلخ. (فضلاً عن قضاة المحكمة العليا).. إلا أن تعيينهم في مناصبهم يستلزم بالضرورة موافقة مجلس الشيوخ، الذي يملك أيضاً صلاحية إبرام المعاهدات مع الدول الأجنبية، والموافقة على مشروعات القوانين التي يقدّمها مجلس النواب.. إلخ.
بينما يدخل ضمن اختصاصات مجلس النواب صلاحية اقتراح وتعديل القوانين، ومشروع الموازنة، والإشراف على الإنفاق الحكومي، ومحاسبة الوزارات والهيئات الحكومية على الالتزام به، ومن خلال هذه الصلاحية (السلطة) يمكن لمجلس النواب التأثير في قرارات الإدارة وسياساتها، بما في ذلك ما يتعلق بالإنفاق العسكري ومنح المساعدات الخارجية.. إلخ. ويمكنه وقف أي قرار أو اقتراح برفض تخصيص الاعتمادات الضرورية لتنفيذه.
كما أن إجراءات محاسبة (ومحاكمة) مسؤولي الحكومة (أو الرئيس) تبدأ في مجلس النواب، ثم تنتقل إلى مجلس الشيوخ الذي يصبح بمنزلة محكمة تحاكم الرئيس، وتملك أن تحكم بعزله بشرط موافقة (ثلثي) أعضاء المجلس.
ويبدو أن امتلاك مجلس النواب لصلاحية البدء في محاكمة الرئيس هو ما دفع العديد من المراقبين لتوقع أن يتجه المجلس إلى هذا الإجراء تجاه ترامب فيما يتصل (بالتأثير الروسي) في حملته الانتخابية، وثبوت وجود علاقات بين بعض أركان حملته الانتخابية وبين الروس، ولجوئه لخطوات تهدف إلى التأثير في مجرى التحقيق في القضية، كان آخرها إجباره وزير العدل (جيف سيشينز) على الاستقالة، ونقله الإشراف على (لجنة موللر) المختصة بالتحقيق من نائب وزير العدل إلى القائم بأعمال الوزير. وفضلاً عن ذلك فهناك شبهات تتصل بشفافية ترامب فيما يخص إقرار ذمته المالية وعلاقته بالضرائب.
ومن الصعوبة بمكان كبير التنبؤ بما إذا كان مجلس النواب سيلجأ إلى هذه الخطوة أم لا، خاصة أن الأغلبية في مجلس الشيوخ للجمهوريين ناهيك عن الحاجة إلى ثلثي الأصوات لعزل ترامب. وهذا شيء في حكم المستحيل.. كما أن القول إن مثل هذه الخطوة - بغض النظر عن فشلها المتوقع من الناحية القانونية - من شأنها إضعاف ترامب بصورة خطيرة كمرشح مرجح للجمهوريين، أو إحجام الحزب الجمهوري عن ترشيحه.. يبدو رأياً قابلاً للجدال على ضوء النتائج التي حققها الحزب الجمهوري في انتخابات التجديد النصفي.. والأهم من ذلك: على ضوء النتائج الجيدة التي يحققها الاقتصاد الأمريكي، وخاصة زيادة النمو وانخفاض البطالة.. وهي أمور بالغة الأهمية - إن لم تكن حاسمة - بالنسبة للناخب الأمريكي.
غير أن إقدام مجلس النواب على محاكمة ترامب من عدمه لا ينفي إمكانية اتخاذ خطوات من شأنها أن تنغص عليه الفترة الباقية من رئاسته تنغيصاً شديداً، مثل استدعائه للشهادة بشأن هذه القضايا أو بشأن تفاصيل القمة بينه وبين بوتين في هلسنكي. وكلها أمور من شأنها الإساءة لترامب والجمهوريين.
من ناحية أخرى فإن مجلس النواب (الديمقراطي) يمكن أن يعرقل تنفيذ العديد من سياسات وقرارات ترامب على المستوى الداخلي، مثل خططه لإجراء خفض كبير في الضرائب التي تدفعها الشركات الكبرى وكبار الأثرياء.. ومعروف أن الديمقراطيين يرفضون ذلك ويميلون لخفض الضرائب على الطبقة الوسطى. وهناك مثلا سياسات ترامب المتشددة تجاه الهجرة، وخاصة الهجرة الواسعة من المكسيك وأمريكا الوسطى واللاتينية، والتي وصلت إلى حد التهديد بإطلاق النار على من يرشق قوات حرس الحدود الأمريكية بالحجارة، وقد طلب ترامب مؤخرا من البنتاجون إرسال (15 ألف جندي) إلى الحدود الأمريكية مع المكسيك لهذا الغرض، لكن البنتاجون رفض..ثم عاد ترامب فأنكر أنه تحدث عن إطلاق النار!
وهناك أيضا نظام (أوباما كير) للرعاية الصحية، ويعتبر ترامب إلغاءه ضرورة ملحة.. ولا يمكن أن يوافق مجلس النواب على إلغائه لأنه أحد أسس سياسة الديمقراطيين الاجتماعية.
أما على صعيد السياسة الخارجية والدفاعية، فمن المؤكد أن (الديمقراطيين) بمواقفهم ذات الطابع (الأيديولوجي) المتشدد تجاه روسيا، واتهاماتهم الصريحة لترامب بالخضوع لبوتين سيقيمون عوائق قوية أمام التقارب بين موسكو وواشنطن على أساس خطط ترامب (البراجماتية) لعقد صفقات إلخ.. ويبدو أن قمة ترامب - بوتين - التي كان مقرراً عقدها في الأرجنتين على هامش قمة العشرين قد أصبحت تحيط بها الشكوك (سبوتنيك - 11 نوفمبر 2018).
أما بالنسبة للعقوبات الأمريكية على إيران فإن الأغلبية (الديمقراطية) في مجلس النواب، ربما لن تتحمس لخطة ترامب بشأنها، خاصة أن إدارة أوباما هي التي كانت قد عقدت الاتفاق النووي مع طهران.
وليس من المستبعد أن يعود مجلس النواب الجديد إلى سياسة إدارة أوباما التي كانت تضغط للربط بين صفقات السلاح وانتهاج الدول لسياسة (تحترم حقوق الإنسان) من وجهة النظر الأمريكية بالطبع.
بديهي أن أمريكا دولة عظمى، لديها استراتيجية محددة ومصالح دائمة، ودولة عميقة شديدة البأس و«استابلشمنت»، تسهر على تنفيذ سياستها وضمان ديمومتها. لكن المؤكد أيضا أن دخول عنصر كبير ومؤثر كمجلس نواب ذي أغلبية ديمقراطية في الصورة، هو أمر يصعب التقليل من شأنه، برغم الوزن الأكبر للرئيس ومجلس الشيوخ، وأن اختلاف الأفراد والتوجهات يترك بصماته على هذه السياسات وتفاصيلها بشكل أو بآخر.

*كاتب مصري

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"