نزع السلاح.. المهمة الصعبة

03:47 صباحا
قراءة 5 دقائق
د.محمود شوقي عبد العال

ليس ثمة شك في أن نزع السلاح، لا سيما أسلحة الدمار الشامل، يعد واحداً من أهم الأهداف التي تسعى الأمم المتحدة إلى تحقيقها في سعيها الدؤوب إلى حفظ السلم والأمن الدوليين، والذي هو الهدف الأسمى الذي أنشئت المنظمة الدولية من أجل العمل على تحقيقه. لكن رغم كل الجهود التي تبذل لتحقيق هذا الهدف، فإن البيئة الدولية الحالية، والصراع المتأجج حول مناطق النفوذ بين الدول العظمى تسد أفاق التوصل إلى تحقيق هذا الهدف الإنساني.
ليس أدل على ذلك مما قررته المادة الحادية عشرة من ميثاق الأمم المتحدة، بنصها على أن «للجمعية العامة أن تنظر في المبادئ العامة للتعاون في حفظ السلم والأمن الدولي، ويدخل في ذلك المبادئ المتعلقة بنزع السلاح وتنظيم التسليح، كما أن لها أن تقدم توصياتها بصدد هذه المبادئ إلى الأعضاء أو إلى مجلس الأمن أو إلى كليهما». وليس أدل عليه أيضا من أن اللجنة النوعية الأولى من اللجان التابعة للجمعية العامة هي «لجنة نزع السلاح والأمن الدولي» والتي تتصدى لقضايا نزع السلاح والتحديات العالمية وتهديدات السلم، كما أنها تسعى إلى إيجاد حلول للتحديات القائمة في إطار منظومة الأمن الدولي.
وإذا كان المجتمع الدولي قد بذل جهودا حثيثة في هذا الصدد في العقود السبعة الماضية منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، محققا قدرا لا بأس به من النجاح، لا سيما في مجال الحد من أسلحة الدمار الشامل، وعلى رأسها الأسلحة النووية. فإن ما شهدته السنوات الأخيرة من أزمات في هذا السياق، على نحو ما بان في الملف النووي لكل من كوريا الشمالية وإيران، وإعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب انسحاب بلاده من اتفاقية 1987 بشأن الحد من الصواريخ النووية المتوسطة وقصيرة المدى بين الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد السوفيتي السابق، ثم رد الرئيس الروسي عليه بالمثل، ومن استخدام للأسلحة الكيماوية من جانب أكثر من طرف من أطراف النزاع في حروب داخلية كالحالة السورية، فضلا عن الطفرة الهائلة في تكنولوجيا تصنيع الأسلحة الموجهة والطائرات دون طيار وغيرها، وأخيرا مساعي عسكرة الفضاء والتي تصاعدت وتيرتها خلال العام المنصرم، قد استدعى- هذا جميعه- مزيدا من الجهد في هذا السبيل.
ومن ثم جاءت خطة الأمين العام للأمم المتحدة «أنطونيو جوتيريش» لنزع السلاح بهدف إنقاذ البشرية والأجيال القادمة، وهي الخطة التي كشف النقاب عنها في أواخر مايو(أيار) 2018 بجامعة جنيف، والتي ترتكز على ثلاث أولويات هي إنقاذ البشرية وإنقاذ الأرواح ونزع السلاح من أجل الأجيال القادمة.
ويهدف الجزء الأول من الخطة إلى القضاء على أسلحة الدمار الشامل النووية والكيماوية والبيولوجية، وهو أمر ذو أهمية قصوى في جهود الأمم المتحدة في هذا الصدد دون أدنى شك، حيث كان موضوع أول قرار اتخذته الجمعية العامة للمنظمة الدولية عام 1946. وقد أكد الأمين العام في خطته أن القضاء الكامل على الأسلحة النووية هو الأولوية الأهم، منوها بالجهود الكبيرة التي بذلت خلال فترة الحرب الباردة، وأسفرت عن اتفاقيات ترتب عليها خفض لترسانات الأسلحة النووية، وحظر للتجارب النووية، وتفكيك لفئات كاملة من الصواريخ الحاملة للرؤوس النووية. مشيرا في ذات الوقت إلى أن «اتفاقيات تلك الحقبة مهددة الآن أكثر من أي وقت مضى، فالحوار الاستراتيجي بين الدول النووية لا يزال محدودا»، مستدلا على ذلك بعدم وجود مفاوضات ثنائية جارية بين الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا الاتحادية لإجراء مزيد من التخفيضات على ترساناتها من الأسلحة النووية.
أما فيما يتعلق بالجزء الثاني والخاص بالحد من الأسلحة التقليدية والتخفيف من آثارها على المدنيين، فقد أكد الأمين العام أن حظر بعض الأسلحة التقليدية وتقييدها يمكن أن ينقذ الأرواح، ولكنه أضاف إنه «على الرغم من هذه الإنجازات، لا يزال المدنيون يتحملون وطأة الصراع المسلح. وإلى جانب الأعداد الضخمة من المدنيين الذين قتلوا أو جرحوا، تجبر الصراعات أعدادا قياسية من الناس على ترك منازلهم، وغالبا ما تحرمهم من الطعام والرعاية الصحية والتعليم وأي وسيلة لكسب العيش». إذ وفقا لبيانات الأمم المتحدة فقد تشرد أكثر من 65 مليون شخص بنهاية عام 2016 بسبب الحرب والعنف والاضطهاد، ومع انتقال النزاعات المسلحة من ميادين القتال المفتوحة إلى المدن تصبح الأسلحة المتفجرة مميتة بشكل خاص للمدنيين، فضلًا عن تأثيرها المدمر على المستشفيات والمدارس وإمدادات المياه والكهرباء.
وقد أشار الأمين العام إلى أنه سيدعم الدول الأعضاء في وضع قيود مناسبة ومعايير مشتركة بشأن استخدام هذه الأسلحة في المناطق السكنية. كما أعلن عن إطلاق مبادرة جديدة لمكافحة الاتجار غير المشروع بالأسلحة الصغيرة والاتجار بها على الصعيد الوطني وعبر الحدود. وكذلك تخصيص موارد داخل صندوق بناء السلام لدعم الإجراءات الحكومية المتعلقة بالأسلحة الصغيرة والأسلحة الخفيفة غير المشروعة، بما في ذلك جمعها وتدميرها.
وأما الجزء الثالث فيتطرق إلى بناء عالم أفضل للأجيال القادمة عبر نزع السلاح، لا سيما فيما يتعلق بالتقدم التكنولوجي الذي يمكن أن يستخدم أيضا لتطوير تقنيات جديدة للأسلحة ذات التطبيقات الخطرة، وأشار الأمين العام إلى أنه «إذا اندلع صراع كبير من خلال نزاع مسلح في عالمنا، فأنا على يقين من أن ذلك سوف يسبقه هجوم هائل على الإنترنت. وأنا على استعداد لاستخدام نفوذي لمنع الصراعات الناجمة عن أفعال ارتكبت في الفضاء الإلكتروني».
وختم الأمين العام تقريره قائلًا «لقد أنشئت الأمم المتحدة بهدف القضاء على الحرب كأداة للسياسة الخارجية. لكن بعد مرور سبعة عقود، لا يزال عالمنا خطيرا كما كان في الماضي. نزع السلاح يمنع وينهي العنف، ويدعم نزع السلاح التنمية المستدامة».
ولقد أعاد الأمين العام التأكيد على هذه العناصر والمعاني التي احتوتها رؤيته الجديدة لنزع السلاح، محذرا من أن «مكونات رئيسية في الهيكل الدولي الحالي للسيطرة على السلاح حول العالم آخذة في الانهيار، ومن أن تقنيات تكنولوجيا الأسلحة الجديدة قد زادت من مستوى المخاطر المحدقة التي تواجه العالم بأشكال لم نستوعبها بعد ولا يمكننا تصورها»، وذلك في كلمته أمام الجلسة الخاصة لمؤتمر نزع السلاح التي عقدت بقصر الأمم بجنيف في الخامس والعشرين من فبراير(شباط) الماضي. وجاء في تحذيره أن استمرار استخدام الأسلحة الكيماوية دون عقاب يؤدي إلى تزايد انتشار استخدامها، وأن استخدام الأسلحة الصغيرة غير المشروعة، والأسلحة المتفجرة المصممة لساحات القتال في قلب المناطق الحضرية لا يزال يفقدنا الآلاف من أرواح المدنيين. مؤكدا على الحاجة الملحة إلى «رؤية جديدة لنزع الأسلحة في البيئة الدولية المعقدة لأوضاع الأمن» في عالم اليوم.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"