الهند وروسيا.. تحدي الضغوط الأمريكية

04:26 صباحا
قراءة 5 دقائق
د.رضا محمد هلال

تابع المتخصصون في العلاقات الدولية عموماً والشأن الهندي الروسي على وجه الخصوص زيارة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين للهند، وتوقيعه أكثر من عشرين اتفاقية ثنائية مع ناريندرا مودي رئيس الوزراء الهندي؛ لتعزيز العلاقات الاقتصادية والعسكرية والسياسية التاريخية بينهما في مواجهة التحفظ الأمريكي والمتابعة الدقيقة والحذرة من كل من الصين وباكستان؛ لذا يرصد هذا التقرير أبعاد وتداعيات الاتفاقات الهندية الروسية على الدولتين، وعلى الصين والولايات المتحدة وباكستان في الأمدين القصير والمتوسط.
تحتفظ الهند بعلاقات تاريخية ممتدة ومتواصلة مع الاتحاد السوفيتي سابقاً، وخليفته روسيا حالياً؛ فبعد تفكك الاتحاد السوفيتي السابق، اتجهت الدولتان لتدعيم العلاقات بينهما؛ بتوقيع معاهدة الصداقة والتعاون في عام 1994؛ لتمثل محطة مهمة أخرى على صعيد تعزيز العلاقات بين البلدين في المجالات العلمية والتكنولوجية؛ حيث تزود روسيا الهند بالخبرة الفنية اللازمة؛ لإدارة وتشغيل المفاعلات النووية؛ والتعاون العسكري الذي يشغل حيزاً كبيراً من العلاقات بين البلدين؛ إذ لا يقتصر الأمر على مجرد إبرام صفقات أسلحة ومعدات قتالية؛ لكنه يمتد ليشمل التزام روسيا بصيانة الأسلحة السوفيتية الصنع، التي تملكها الهند وتزويدها بقطع الغيار اللازمة للإصلاح؛ وتوفير الأسلحة والعتاد العسكري، الذي تطلبه الهند؛ لمواجهة التهديدات المحيطة بها. وتتجاوز قيمة الصفقات، التي أبرمتها الدولتان طوال الفترة بين عامي 2000 و2017 رقم 39 مليار دولار؛ حيث تقوم روسيا سنوياً بتوريد أسلحة ومعدات عسكرية إلى الهند بما قيمته 4.5 مليار دولار؛ ومن أهم الصفقات: توقيع الجانبين ما عرف ب«صفقات القرن» في عامي 2001 و2010، التي أعطت فيها روسيا للهند ليس فقط حق إنتاج 140 مقاتلة متطورة من طراز سوخوي؛ بل أيضاً حق نقل تكنولوجيا هذا الطراز المتقدم من المقاتلات للهند.
وشهدت زيارة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى الهند توقيع أكثر من عشرين اتفاقية؛ لتطوير العلاقات بين البلدين على مختلف الصعد، وتشمل الاتفاقات على وجه الخصوص عقداً لبيع منظومة الصواريخ الروسية الشهيرة إس-400 للهند، التي كانت تطمح لشراء شحنة كبيرة من هذه الصواريخ الاستراتيجية المضادة للطائرات؛ لتشكل قاعدة لنظام دفاع جوي/‏فضائي وطني مستقبلي. ونظراً لخطورة ما تمثله هذه المنظومة الصاروخية المتطورة على العمليات العسكرية الأمريكية وحلفائها، علاوة على تأثيرها المنافس لمبيعات الأسلحة الأمريكية عالمياً؛ هددت إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بفرض عقوبات على الدول التي تشتري منظومات الأسلحة الروسية الجديدة، ومنها المنظومة الصاروخية إس - 400 والمقاتلات الروسية إس يو 35؛ وقامت الولايات المتحدة مؤخرا بفرض عقوبات على الصين لشرائها شحنة من هذه الصواريخ ومقاتلات إس يو - 35؛ وهددت الولايات المتحدة بفرض عقوبات مماثلة على الهند في حال تعاقدها مع روسيا على تزويدها بهذه الأسلحة؛ غير أن الهند- على الرغم من مطرقة العقوبات الأمريكية - حسمت القرار بعقد الصفقة؛ حيث وقع الطرفان على الصفقة التي تقدر بحوالي 5.43 مليار دولار، وهي إشارة واضحة متعددة الدلالات منها: عمق العلاقات الاستراتيجية بين روسيا والهند؛ وقدرة الهند على تحدي الضغوط الأمريكية ومقايضة هذه الضغوط في مرحلة تالية بمجموعة من الخطوات الهندية الداعمة للسياسة الأمريكية في الملف الإيراني؛ حيث يتوجه برايان هوك الممثل الخاص للرئيس الأمريكي لإيران للهند؛ لمناقشة السياسة الخارجية الأمريكية بشأن إيران، وضمان دعمها لقرارات الإدارة الأمريكية، بفرض عقوبات جديدة على عمليات التبادل المتعلقة بالمواد الهيدروكربونية الخام وقطاع النفط الإيراني، اعتباراً من نوفمبر المقبل في مقابل التزام الولايات المتحدة والدول النفطية الصديقة بتلبية الاحتياجات النفطية للهند بدلاً من إيران؛ علاوة على جدية نيودلهي في ردود فعلها الرافضة للضغوط الأمريكية عليها؛ حيث صرحت القيادات السياسية والعسكرية الهندية أكثر من مرة وفي أكثر من مناسبة بأنها لن تسمح لدولة ثالثة - الولايات المتحدة- بالتدخل في علاقاتها مع موسكو، وهي علامة واضحة إلى أنه عندما تتعلق المسألة بالأمن القومي الهندي فالهند مصممة على اتخاذ القرار بما يخدم مصلحتها القومية.
ولا يختلف الأمر كثيراً في روسيا الاتحادية، التي تعلق بدورها أهمية بالغة على علاقاتها مع نيودلهي والسوق الهندية الضخمة، التي تعتمد عليها في إنعاش الاقتصاد الروسي بالمليارات من العملة الأجنبية؛ علاوة على خلق فرص العمل، التي تعتمد بشكل أساسي على الصفقات العسكرية مع دولة كبرى في مشترياتها من الأسلحة والعتاد العسكري مثل الهند. فضلاً عن رغبة روسيا في تحسين ترسانة الهند النووية؛ من خلال بيعها غواصات نووية ومعدات إلكترونية متطورة وأنظمة صواريخ باليستية ومفاعلات نووية وغيرها، رغم معارضة واشنطن وباكستان والصين لذلك؛ لذا تتوافق مصالح البلدين في العديد من المجالات؛ فالهند الطموحة بحاجة إلى التكنولوجيا العسكرية الروسية؛ وروسيا بدورها تعاني مشكلات اقتصادية وعقوبات أوروبية أمريكية عليها؛ بسبب قضية تدخلها الدائم والمستمر في أوكرانيا ومساعدتها لسورية في حربها ضد الإرهاب؛ كما تشوب علاقتها توترات سياسية مع بعض الدول الغربية وواشنطن؛ بسبب التدخل المخابراتي الروسي في بريطانيا وغيرها.
وعلى الرغم من اتفاق الهند وروسيا مع الصين على معارضة النظام الدولي؛ القائم على القطبية الأحادية وهيمنة الولايات المتحدة على مجريات الأمور على الساحة الدولية، وتفضيل هذه الدول لقيام نظام دولي متعدد الأقطاب، وكذلك المخاوف المشتركة من الإرهاب الدولي والتطرف الديني؛ ونجاحها في إبرام العشرات من اتفاقات تعزيز العلاقات الاقتصادية والثقافية والعسكرية والتكنولوجية، إلا أن التعاون الاقتصادي بين الهند وروسيا يعد الحلقة الأضعف في العلاقات الاستراتيجية بين البلدين؛ حيث تراوح حجم التبادل التجاري السنوي بينهما خلال الفترة بين عامي 2010 و2017 بين 8- 10 مليارات دولار أمريكي؛ ولم يزد عدد المشاريع الصناعية الروسية في الهند على 70 مشروعاً صناعياً منها: 27 مشروعاً للطاقة و9 مشروعات للفولاذ و12 مشروعاً للكيماويات؛ وهناك مشروع ترعاه موسكو وهو المفاعل النووي في منطقة كودانكولام في ولاية تاميل نادو الجنوبية، بينما تأتي الهند في مقدمة الشركاء التجاريين مع الولايات المتحدة؛ حيث تراوح إجمالي التجارة البينية بين 40 و64 بليون دولار وبفائض يتراوح بين 18 و20 بليون دولار سنوياً لمصلحة الهند خلال الفترة بين عام 2010 و2017.
ومع كل ما سبق فإن مستقبل العلاقات الهندية-الروسية في ازدهار، ورغم المخاوف الروسية الهندية المتبادلة بشأن الصين والولايات المتحدة، فإن روسيا الاتحادية تنظر إلى الهند؛ باعتبارها مكسباً استراتيجياً شديد الأهمية، في ظل سعي موسكو إلى إعادة ترتيب علاقاتها وتحالفاتها الإقليمية والدولية. كما أن الهند لا تزال تعتمد على روسيا في الحصول على الأسلحة الروسية المتقدمة والمعدات وقطع الغيار اللازمة لها، خاصة أن نحو 72% من الترسانة العسكرية الهندية مصدرها روسيا.

*باحث وأكاديمي مصري

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"