جسر المقطع.. الشاهد على تاريخ أبوظبي

أماكن
02:25 صباحا
قراءة 4 دقائق
أبوظبي:آلاء عبد الغني

«جسر المقطع» هو الشاهد على تاريخ مدينة أبوظبي،حيث تروي أعمدته صعوبات الحياة قديماً ومعاناة الدروب التي كان يقطعها المارة بين أبوظبي ودبي والعين، والمشقة التي تشهد عليها آثار أقدامهم وسط الصحراء التي لا تخلو من مفاجآت الزمان والمكان.
ويعد جسر المقطع واحداً من الجسور الأربعة التي ربطت جزيرة أبوظبي-أكبر جزر الإمارات- باليابسة، ويلعب دوراً محورياً في ذلك إلى جانب جسر المصفح وجسر الشيخ زايد وجسر الشيخ خليفة، ورغم قصر مسافة هذه الجسور يحافظ وجودها على استمرار أبوظبي كجزيرة منفصلة تحدها مياه البحر من الجهات كافة، وهو ما يرد إليه كثرة الشواطئ والمتنزهات فيها. وبعد أن تفجرت الأرض الخيرة وانشق البحر وظهرت كنوز «الذهب الأسود» لتعوض أهل إمارة أبوظبي عن حياة الشقاء التي عاشوها جيلاً بعد جيل، بدأت الإمارة تسطر مرحلة تاريخية جديدة،وتقفز قفزات نوعية في مسيرة البناء والتطور التي قادها بحنكة وحكمة وإصرار المغفور له بإذن الله الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان طيب الله ثراه.
وكان العام 1968 نقطة تحول فارقة في تاريخ أبوظبي، حيث كان بناء «جسر المقطع» شرارة البناء الأولى لدولة الإمارات الحديثة، وجسراً لا يعبره المارة فحسب، بل تعبر به الدولة إلى ركب التطور والحضارة والنهضة العمرانية بلا منازع، إذ إنه قبل إنشاء هذا الجسر كانت الطريقة الوحيدة للوصول إلى أبوظبي من البر الرئيسي هي انتظار أقل ارتفاع لحركة المد والجزر ومن ثم عبور البحر، إذ كانت معاناة الناس في الانتقال من مكان إلى آخر كبيرة قبل شق الطرق الحديثة، حيث كان البحر في أوقات مده يشكل بركاً ومستنقعات بين الكثبان في الطرق التقليدية البرية، ويشل حركة المارين.

و«جسر المقطع» هو همزة الوصل التي تربط مدينة أبوظبي بمنطقة البر الرئيسي الذي يتضمن مدينة خليفة «أ وب وسي»، وشاطئ الراحة والضواحي الصناعية الأخرى، ويصل الجسر أحادي الاتجاه بين مدينة أبوظبي وباقي المناطق البرية، وكان الجسر مجرد معبر رملي يمر عليه الناس والسيارات يحرسه معلمه الشهير«برج المقطع» الذي يعد أحد أبرز معالم إمارة أبوظبي، ومفصلاً محورياً في التأريخ الاجتماعي والاقتصادي لأبوظبي في النصف الأول من القرن العشرين، وتعد منطقة المقطع بوابة أبوظبي الرئيسية من الجهة الجنوبية، كما كان محطة لقوافل الإبل المقبلة إلى أبوظبي والمغادرة منها.

أما حصن جسر المقطع الرابض منذ أكثر من مئتي عام وسط الماء، فتعود عمليات بنائه إلى فترة بناء قصر الحصن في مدينة أبوظبي وفقاً لما تؤكده الوثائق التاريخية، إذ كان الهدف من إنشائه استخدامه كمحطة أوكجهاز للمراقبة لرصد أي تحركات معادية ضد السكان في ذلك الوقت، وإبلاغهم بالاستعداد لمواجهة أي أخطار تهددهم، وذلك لأنه من المعروف أن عمليات المد والجزر لعبت دوراً كبيراً في فصل جزيرة أبوظبي عن البر الرئيسي للإمارة ما كان يؤدي إلى وجود مسافة كبيرة بين الماء واليابسة، وكان لا بد من وجود نقطة إنذار أو مراقبة تنبه السكان إلى وجود خطر يتربص بهم من ناحية البر ومن أجل ذلك تم إنشاء هذا البرج ليؤدي هذه المهمة، وكانت توجد بجواره قلعة صغيرة لحمايته ولكنها تهدمت بفعل الزمن، لكن نظراً لقيم الحصن التراثية والتاريخية في تاريخ إمارة أبوظبي ودولة الاتحاد خضع لعمليات ترميم مهمة في السنوات الماضية، كما هي الحال بالنسبة لمعظم الحصون الموجودة في الدولة. ومع الإصلاحات وعمليات التشييد التي حدثت مع العمليات الهندسية العملاقة لبناء جسر المقطع الحديث في مكان طريق المقطع القديم الذي يعد من أقدم الطرق التي أنشئت في أبوظبي تم ترميم قلعة المقطع الأثرية، ويعد هذا الجسر من أهم الجسور في إمارة أبوظبي، حيث حافظ هذا المعلم على مكانته الحيوية كعقدة مواصلات رئيسية بين جزيرة أبوظبي والمناطق البرية الداخلية، كما طور شبكة المواصلات.
وبعد تولي المغفور له بإذن الله الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان طيب الله ثراه مقاليد الحكم عام 1966 في إمارة أبوظبي، كان تحسين شبكة المواصلات بين جزيرة أبوظبي والمناطق الداخلية من الإمارة على رأس أولويات برنامج عمل الحكومة، وشيد الجسر عام 1968 ليحافظ بصورته الحالية على مكانته الحيوية كعقدة مواصلات رئيسية بين جزيرة أبوظبي والمناطق البرية من الإمارة، وترافقت عملية التشييد بالإعلان الرسمي عن انسحاب بريطانيا من المنطقة نهاية عام 1971 ليواكب التشييد أيضاً حركة بناء المجتمع الجديد مع المباشرة في بدء تصدير النفط من الحقول البحرية في أبوظبي الذي بدأ عام 1962، وجعل المغفور له بإذن الله الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان هذا المشروع ضمن أولوياته، وليكون بداية النقلة الضخمة المشهودة حالياً في شبكة النقل في أبوظبي.
وتزامن بناء الجسر كذلك مع الحاجة إلى بناء شبكة طرق ومواصلات تتناسب والحالة الجديدة من البناء والنهضة والتنمية، وتنفيذ برنامج تطوير يوفر للناس المرافق الخدمية الحديثة التي كانوا يتطلعون إليها، ومن ثم لعب جسر المقطع دوراً حيوياً مهماً في تيسير الانتقال، وتذليل حركة الشركات العاملة في عمق الصحراء، مما أتاح زيادة الإنتاج اليومي من النفط بشكل كبير، وفي مرحلة لاحقة تم إنشاء جسر آخر مطابق لجسر المقطع بجانبه، وذلك لمواكبة حركة المرور المتزايدة من وإلى جزيرة أبوظبي. وساهم هذا الإنجاز العظيم كما هي عليه الحال اليوم في تغذية آليات التطوير وتحقيق حياة أفضل لسكان أبوظبي، وأصبح هذا الجسر شامخاً يستقبل العابرين من وإلى أبوظبي، وشاهداً تاريخياً على مسيرة أربعة عقود من التطور والتقدم والازدهار.
ومن أجمل الأوقات وقت الغروب حين تعانق أشعة الشمس هذا الجسر الشامخ، ويختلط اللونان الأحمر والبرتقالي مع بعضهما البعض ليشكلا لوحة بديعة بحيث تضفي هذه الألوان الدافئة على جسر المقطع جواً خلاباً يبعث في نفس الناظر إليه السكينة والهدوء والطمأنينة، لينفث من صدره كل هموم الدنيا ويستقبل بابتسامة المتفائل كل جميل تنبض به الحياة.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"