يجوع 50 يوماً

00:02 صباحا
قراءة دقيقتين

ذَكَرُ سمك التنين، أظهرته أحد البرامج الوثائقية وهو يأكل البيض الذي وضعته أنثاه بعد صعوبة، فبدا للوهلة الأولى كائناً مفترساً قاسياً نهماً لا يفرق بين الطعام وأبنائه، لكن المعلق الصوتي للبرنامج أوضح الصورة حين أكد أن هذا الأب فعل ما فعله خوفاً على أبنائه الذين يعيشون في ظروف قاسية في قاع البحر وسيكونون عرضة للخطر قبل فقس البيض؛ إذ إنه يبقيهم في فمه المغلق لمدة تصل إلى خمسين يوماً، من دون أن يأكل شيئاً ليفقس البيض ويخرج من فم أبيه حاملاً معه حقيبة ملتصقة بجسده تحوي طعاماً لأيامه الأولى في البحر، بعد أن يموت الأب من شدة الجوع بعد الخمسين يوماً. 
قد يبدو هذا المشهد فنتازيا، أو جزءاً من أفلام الخيال العلمي، لكنه حقيقي موجود على أرض الواقع لدى الحيوان والإنسان.
فالأسوياء من الآباء البشر لن يتوانوا ولو للحظة عن فعل هذا حين يشعرون بأن أبناءهم في خطر، وما يقوم به الأب من تضحيات قد تصل حد الموت حين يفني حياته في تلبية حاجات أولاده، وتوفير الضروري وما يجلب السعادة والراحة لهم.
الأب الذي لم يعرف معنى الراحة قبل أن يرى الابتسامة مرسومة على وجه طفله، وذلك الذي لم يعرف ماذا تعني حاجته قبل أن يتأكد أن أولاده وصلوا للوضع الذي يمكنهم تلبية جميع حاجياتهم، وذلك الذي كان يذهب إلى عمله حتى في أشد حالات المرض، كي لا يخصم يوم من راتبه الشهري أو يقل دخله المفترض، كل هذي نماذج لتضحيات آباء أسوياء لم تدخل القسوة قلوبهم ولم تعرف أرواحهم غير التضحية والإيثار. 
ليس الآباء وحدهم من يفعلون ذلك، بل هنالك أمهات يقمن بذات الواجب وأكثر في بعض الأحيان، الأمهات الأرامل والمطلقات ممن توجب عليهن القيام بدور الأم والأب معا، وتلك اللواتي حظين بأزواج لا يعرفون معنى المسؤولية، تراهنّ يُفنين حياتهنّ ويكرّسن جُلّ وقتهنّ في سبيل توفير حاجيات أبنائهن المادية والمعنوية.
لو أننا أفردنا آلافاً من الصفحات لذكر أسماء الآباء، الذين نسوا أنفسهم قبل أن يصل أولادهم إلى مرحلة النضج والاعتماد على الذات لن تكفي أبداً، فكيف لو أردنا ذكر قصص تضحياتهم وطرقهم في توفير سبل الراحة والسعادة لأسرهم؟
في الحياة قصص كثيرة، يقف المرء عندها ليقول: لله درّ الآباء والأمهات، كم شقوا وتعبوا لنصل إلى بر الأمان.
[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/95hw6swr

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"