«العالمية» جائزته الأهم

00:02 صباحا
قراءة دقيقتين

كلنا مررنا على دربه، كلنا تبنينا خياله ومشينا في أزقته وكحّلنا أعيننا بروائع حكاياته وكلماته، وكلنا عشنا معه مراحل من طفولتنا وشبابنا وكان رفيق دراستنا.. هو النموذج المثالي للمعنى الحقيقي ل «العالمية» التي وصل إليها دون سعي منه وراءها، بل تركها هي التي تسعى خلفه وتطلب منه شرف ضمّه إليها.

هو رائد الرواية العربية نجيب محفوظ، الكاتب الاستثنائي الذي يشعرك باستمرار بأنه يعيش معك ومع كل إنسان بسيط، وأنه ابن كل حارة وكل بيت، هو العين التي تنقل بأجمل الصور كل تفاصيل يومياتهم وطقوسهم وعاداتهم وموروثهم الفكري والاجتماعي فيصبحون هم أبطال الروايات، أبطال يتحركون بحروف على الورق في كل كتاب من كتبه، ويتحولون إلى شخوص من لحم ودم تتنقل وتتحدث وتنفعل وتتفاعل على الشاشة.

هو نجيب محفوظ الذي اختاره معرض أبوظبي الدولي للكتاب - والذي ينطلق في التاسع والعشرين من الشهر الجاري ويستمر حتى الخامس من مايو/ أيار- شخصية هذا العام ٢٠٢٤، فأعاد إلينا الرغبة في تصفح ما قرأناه وما لم نقرأه من روايات هذا العبقري، الذي اختار أن ينطلق في رحلته مع كتابة الروايات عام ١٩٣٩ برواية عنوانها «عبث الأقدار»!

صاحب بين القصرين، قصر الشوق، السكّرية، أولاد حارتنا، الحرافيش، حضرة المحترم، حديث الصباح والمساء، الشحاذ.. يقول في «ثرثرة فوق النيل»: «عندما تتكاثر المصائب يمحو بعضها بعضاً وتحل بك سعادة جنونية غريبة المذاق، وتستطيع أن تضحك من قلب لم يعد يعرف الخوف».. عرف كيف يبسط لقارئه كل شيء فيقترب منه وكأنه يلغي أي مسافة قد تحول بينه وبين كل من يعيش في حي شعبي وزقاق وحارة.. بسيط في تحليله الفلسفي للحياة، وبسيط في اختياره المفردات والجمل الأدبية رغم ثقل وعمق قيمتها الفكرية، شغلته يوميات الإنسان العادي، فسافرت كلماته ومؤلفاته حاملة معها أفكاره وسلاسة جُمله وأسلوبه وعبق الشرق، لتحط رحالها في دول غربية ويطرق أبواب العالمية.

طبعاً من أهم الجوائز التي نالها، جائزة «نوبل» العالمية في الأدب عام ١٩٨٨، لكن تعتبر جائزته الأطول عمراً والأهم أنه أوصل الأدب العربي إلى العالم حيث تمت ترجمة أعماله إلى لغات كثيرة، والبصمة الأكثر تأثيراً أنه يتم تدريس أدب محفوظ في جامعات عالمية مختلفة، أي أننا لسنا وحدنا من يكبر على روايات محفوظ ويستقي من أفكاره ويستمتع بالصور التي يرسمها عن القاهرة والحياة فيها وناسها، بل هناك طلاب أجانب يستكشفون مصر واللغة العربية وروائع الشرق من خلال إبداع نجيب محفوظ.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/32a49ta5

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"