الحرب وتصفية القضية الفلسطينية

00:03 صباحا
قراءة 3 دقائق

د. ناجي صادق شرّاب

الحرب هي بنتائجها السياسية، والنتائج السياسية بماهية الحرب وحجمها وشكلها وأهدافها. والحرب على غزة هذه المرة تختلف عن الحروب السابقة التي شهدتها غزة منذ عام 2008 وإمساك حماس بالسلطة.

الحروب السابقة كانت محدودة في أهدافها، وكان القاسم المشترك بينها جميعاً الحيلولة دون قيام الدولة الفلسطينية من خلال تعميق الانقسام وتحويله إلى حالة انفصال سياسي وجغرافي بين الضفة الغربية وقطاع غزة، وأيضاً من خلال توسيع الاستيطان والتهويد والتهام المزيد من الأرض الفلسطينية.

هذه المرة الهدف أعمق وأشمل، فهو يعمل على إغلاق كل ملفات القضية الفلسطينية، من الدولة إلى حق تقرير المصير.

وهنا لا بد من التساؤل عن مقاربات وخيارات تسوية القضية الفلسطينية ؟. إن ما تسعى إليه إسرائيل هو هدف بعيد المنال، والطريق الوحيد لإغلاق ملف القضية يكون عبر الأمم المتحدة والشرعية الدولية بقبول فلسطين دولة كاملة العضوية وإنهاء الاحتلال وحل مشكلة اللاجئين بتنفيذ القرار 194 الخاص بهم، وعندها ينتهي دور وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا)، لكن هذه المقاربة قد تبدو مثالية اليوم مع تبنّي مقاربة القوة التي تتبناها إسرائيل ورفضها المطلق لقيام الدولة الفلسطينية وتفكيك وحل وكالة الغوث واستبدالها بوكالات أخرى وبتمسك إسرائيل بمفاهيم إسرائيل الكبرى والاستيطان والتهويد وبالقدس عاصمة موحده لها والاعتماد على «الفيتو» الأمريكي الدائم لتحقيق أهدافها.

هذه المقاربة تتبناها اليوم أكثر الحكومات الإسرائيلية اليمينية تشدداً التي تردد السرديات اليهودية التي تتبناها الأحزاب الصهيونية الدينية والقومية ممثلة في حزبي بن غفير وسموتريتش. هذه المقاربة تجسدها اليوم الحرب على غزة وهدفها يتجاوز القضاء على حماس والمقاومة إلى الدفع بالهجرة القسرية لأكثر من مليوني نسمة وبجعل غزة غير قابلة للحياة. هذه المقاربة تعمق الصراع ولا تغلق ملفات القضية، هذا ما تتبناه اليوم إسرائيل في غزة بالسعي لفرض سيطرتها الأمنية وعدم عودة أي شكل للحكم الفلسطيني، وهذا لا يقتصر على غزة بل يمتد إلى الضفة الغربية والتي تشكل قلب القضية سلماً وصراعاً بمصادرة كل الأراضي الفلسطينية والتوسع في عمليات الاستيطان وبغلق ملف القدس كلية والتمسك بيهودية الدولة كلها.

هذه المقاربة هي مقاربة كل احتلال استعماري، ورأينا نماذجها في معظم دول العالم الثالث في إفريقيا وآسيا، وكان مصيرها الفشل.

هذه المقاربة تقابلها المقاربة الفلسطينية لتسوية القضية وإغلاق ملف الصراع وهي مقاربة شعب تحت الاحتلال، وأساسها قرارات الشرعية الدولية وميثاق الأمم المتحدة، والسلام القائم على حل الدولتين، وفيها قدم الفلسطينيون تنازلات كبيرة أهمها القبول بالدولة الفلسطينية على أساس حدود 1967، وليس القرار الأممي رقم 181 الذي منحهم ما يقارب ال44 في المئة من أرضهم التاريخية، ثم القبول بحل عادل لمشكلة اللاجئين استناداً للمبادرة العربية في مطلع تسعينات القرن الماضي التي أجهضتها إسرائيل، وبالتوقيع على اتفاقات أوسلو والاعتراف المباشر من قبل منظمة التحرير بإسرائيل، واعتراف إسرائيل بمنظمة التحرير كممثل شرعي، وكل هذا يعني ضمناً قيام الدولة الفلسطينية والتي كانت أحد أهداف اتفاق أوسلو، والتي لم تحترمها أو تلتزم به الحكومات اليمينية الإسرائيلية السابقة والحالية. لكن هذه المقاربة قوتها في شرعيتها التاريخية وشرعيتها الدولية وبالذهاب لانتزاع الحق الدولي من خلال قبول فلسطين دولة كاملة العضوية تحت الاحتلال في الأمم المتحدة، وبتفعيل المسؤولية الدولية بإنهاء الاحتلال.

هذه المقاربة اكتسبت اليوم قوة كبيرة بعد الحرب على غزة باستعداد الكثير من الدول للاعتراف بالدولة الفلسطينية. وهناك المقاربة الإقليمية العربية الداعمة والمساندة للمقاربة الفلسطينية وأساسها ربط السلام الشامل والعلاقات العادية مع إسرائيل بالقبول بقيام الدولة الفلسطينية والقدس الشرقية عاصمة للدولة، مع التسوية العادلة للاجئين، وهناك المقاربة الدولية وأساسها حل الدولتين. ولكن ما يعيقها هو الموقف الأمريكي الذي يلجأ إلى «الفيتو» في مجلس الأمن ويحول دون ترجمة قبول فلسطين عضواً كامل العضوية بذريعة أن الطريق للدولة وتسوية القضية يمر عبر التفاوض بين الفلسطينيين والإسرائيليين وهو موقف يسهم في إطالة أمد الصراع وعدم تسوية القضية.

تاريخياً، تبقى المقاربة الفلسطينية هي المقاربة الأساس لكنها تحتاج أولاً إلى إنهاء الانقسام، وثانياً التوافق على بناء نظام سياسي يستمد شرعيته من الانتخابات، وثالثاً التوافق على رؤية وطنية للمرحلة الانتقالية بعد انتهاء الاحتلال، والتوافق على آليات ووسائل إنهاء الاحتلال، وتفعيل دور منظمة التحرير الفلسطينية كإطار للشرعية والتمثيل تمهيداً لإعلان مرحلة الدولة الفلسطينية ورابعاً تفعيل وتوظيف السلام العربي وربطه بقيام الدولة الفلسطينية، وأيضاً تفعيل التحولات الإيجابية التي شهدتها العديد من العواصم في العالم دعماً للحقوق الفلسطينية، وتوسيع دائرة الاعتراف بالدولة الفلسطينية، وتفعيل المقاربة الفلسطينية المدعومة عربياً ودولياً بما يمكن أن يشكل ذلك سيناريو تسوية القضية الفلسطينية وليس تصفيتها أوتفكيكها.. لكن قبل كل ذلك ممارسة ضغط دولي وعربي حقيقي يجبر إسرائيل على قبول الحل العادل.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/36r2tbaa

عن الكاتب

أكاديمى وباحث فلسطيني في العلوم السياسية متحصل على الدكتوراه من جامعة القاهرة كلية الاقتصاد والعلوم السياسية، ومتخصص في الشأن السياسى الفلسطيني والخليجي و"الإسرائيلي". وفي رصيده عدد من المؤلفات السياسية

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"