العقوبات الغربية على روسيا لها آثار مدمرة

22:29 مساء
قراءة 3 دقائق

د. محمد الصياد *

عرضنا في مقالين سابقين للعوامل الداخلية والأخرى الخارجية التي أسهمت في صمود الاقتصاد الروسي أمام السيل الجارف من العقوبات الاقتصادية الغربية. إنما في المقابل، هناك جانب آخر لابد من الإضاءة عليه، ويتعلق بالأثر، المباشر وغير المباشر، لهذه العقوبات على انتظام واستقرار الدورة الاقتصادية الطبيعية للاقتصاد الروسي، على المستويين المحلي والخارجي. فبسبب هذه العقوبات، تعرضت الشركات والمصارف الروسية، خصوصاً المدرج منها على قائمة العقوبات، لأضرار جسيمة، ولا تزال تعاني أثر هذه العقوبات على مشاريع أعمالها القائمة، والأخرى قيد التنفيذ. ومن بين الشركات الأكثر تضرراً من العقوبات، كانت شركات: غازبروم (عملاق الغاز الروسي)، وروسنفت (عملاق النفط الروسي)، ونوفاتيك (عملاق الغاز الطبيعي المسال)، وروسال (عملاق الألمنيوم الروسي)، وفيسمبو-أفيسما (أكبر شركة منتجة لسبائك التيتانيوم والألمنيوم والمغنيسيوم والصلب في روسيا والعالم، ولها فروع في أوكرانيا وإنجلترا وسويسرا وألمانيا والولايات المتحدة). فقد أغلقت حكومات الاتحاد الأوروبي جميع الحسابات البنكية الخاصة بشركة غازبروم، وتم الاستيلاء على فروع الشركة في أوروبا. في ألمانيا مثلاً، تمت مصادرة وتأميم شركة غازبروم جرمانيا، ووضعت بولندا يدها على شركة يوروبول غاز، بإجمالي أصول بلغت قيمتها في 2021، 9 مليارات يورو. كما استولت حكومة بريطانيا على أصول غازبروم في خط السيل الشمالي 2، وثلاثة خطوط لنقل الغاز من أصل أربعة لخط السيل الشمالي 1. وتعرضت أصول شركات روسنفت ونوفاتيك وروسال وفيسمبو-أفيسما، لإجراءات المصادرة نفسها.

وتعرض 58 بنكاً روسياً للعقوبات الغربية، من بينها: Otkrytie وPromsvyazbank وAlfa Bank وRossiya Bank؛ وVTB Bank، وSovcombank، وNovikombank، وAll-Russian Regional Development Bank، وGazprombank، وHome loan، وSberbank. ومُنع المستثمرون الأوروبيون من الاستثمار في أدوات سوق المال الروسية اعتباراً من 12 أبريل 2022؛ وكذلك السكك الحديدية الروسية، وشركة كاماز لإنتاج الشاحنات والحافلات ومحركات السيارات، وشركة سوفكومفلوت، أكبر شركات الشحن الروسية، والشركة الحكومية الروسية روستيخ المتخصصة في إنتاج المنتجات التكنولوجية، إضافة إلى معهد موسكو للفيزياء والتكنولوجيا. كما حظر الاتحاد الأوروبي على هذه الشركات الوصول إلى سوق رأس المال، وأي نوع من الخدمات المالية، أو تقديم المساعدة الفنية، أو الاتجار معها في المنتجات والتقنيات العسكرية، أو ذات الاستخدام المزدوج، وكذلك التقنيات والمعدات المستخدمة في قطاعات النفط والطيران والفضاء.

كما تعاني هذه العقوبات، شركات النقل الجوي التي باتت حركتها مقيدة، وطائراتها مصادرة، وطريق وصولها إلى قطع الغيار، مقفول، وغياب الصيانة المنتظمة للطائرات من الشركات المعتمدة. كما تعاني شركات صناعة الاتصالات السلكية واللاسلكية، بعد أن أوقفت العديد من الشركات المصنعة الرئيسية لمعدات الاتصالات عملياتها في روسيا، فضلاً عن المبيعات والإمدادات.

هذا في ما يتعلق بما تسمى «العقوبات الأولية»، (العقوبات المفروضة مباشرة على الدولة والأفراد والمؤسسات الأجنبية المستهدَفة مباشرة بالعقوبات). وهذه عقوبات ملزِمة فقط للدول التي فرضتها، وهي هنا أمريكا وبلدان الاتحاد الأوروبي، وغير ملزِمة لباقي الدول، لأنها لم تصدر عن الأمم المتحدة. لكن أمريكا تستخدم مصادر قوتها لإجبار بقية الدول على تطبيقها أيضاً، وفي حال لم تمتثل، فإنها تطبق عليها ما تسمى العقوبات الثانوية، وهي عقوبات تُفرض على الأفراد والشركات الأجنبية الذين يتاجرون مع الدول الخاضعة للعقوبات الأولية.

لذلك، فإنه على الرغم من نجاح روسيا بشكل مذهل في تجاوز حزم العقوبات الغربية، وإظهار قدرتها على الاستجابة السريعة للتغيرات في البيئة الاقتصادية الخارجية والتكيّف معها، إلا أن الشركات الروسية تعاني معاناة شديدة من العقوبات الثانوية. إذ تتعرض لنوع من المعاملة التمييزية غير المعلنة في البلدان النامية التي يُفترَض ألا تلتزم بالعقوبات الغربية، لكنها تضطر للامتثال لها تحت الضغط الغربي على حكوماتها. والمثير أن البنوك والشركات الروسية غير المشمولة بالعقوبات، تلقى معاملة غير ودّية في هذه الدول؛ وهذا يتم بصمت تشارك فيه أيضاً الخارجية الروسية، وسفراؤها في الخارج، الذين لا يحركون ساكنا دفاعاً عن مصالح شركات بلادهم التي يعمل الأمريكيون والبريطانيون، على استبعادها من أية مناقصات، بل ويعملون أيضاً، ليل نهار، على إلغاء حتى العقود المبرمة معها.

* خبير بحريني في العلاقات الاقتصادية الدولية

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/455en4fk

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"