«المركزي» الأوروبي.. وفك الارتباط

22:31 مساء
قراءة 4 دقائق

مايك دولان *

قد يكون المشهد المزعج بعض الشيء لزعيم فرنسي يدعو البنك المركزي الأوروبي إلى التركيز على التضخم أقل جاذبية مما يبدو عليه للوهلة الأولى، ولكنه في المقابل يخاطب بصوت عال روح العصر في السوق ومستثمري السندات القلقين على نحو متزايد.

ففي خطابه الأخير بجامعة السوربون في باريس، دعا الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون البنك المركزي الأوروبي إلى عدم التركيز فقط على إبقاء التضخم تحت السيطرة، منادياً بتوسيع نطاق صلاحياته الاقتصادية، وفك ارتباط المؤسسة مع هدف إزالة الكربون.

وفي تصريحات تشبه المراجعة الاستراتيجية للمركزي الأوروبي عام 2021 والخلافات الفرنسية الألمانية حول تفويضه، وتشبه أيضاً اتفاق ميزانية منطقة اليورو قبل 25 عاماً، قال ماكرون: «لم يعد من المحتمل وجود سياسة نقدية هدفها الوحيد هو التضخم».

قد لا تحظى هذه الكلمات بقدر كبير من الاهتمام مرة أخرى في ألمانيا وغيرها من دول اليورو التي تشاطر فرنسا نفس الفكر، أو حتى داخل الأجزاء ذات الصلة من البنك المركزي الأوروبي، ولكنها قد تلقى أذناً صاغية مع استعداد أصحاب المصلحة هناك لمناقشة السياسات النقدية الخضراء وغيرها من الاستراتيجيات الأخرى في اجتماعهم القادم في إيرلندا.

ومن الواضح أيضاً أن هذه التصريحات ربما تغذي افتراضاً يختمر في الأسواق العالمية مفاده أن صُناع السياسات سينشغلون بمخاوف النمو، والصراع الجيوسياسي، والديون العامة المتصاعدة، بل وحتى تغير المناخ، ولن يتمكنوا من تقليص التضخم بشكل مستدام إلى مستويات 2% المستهدفة على مدى السنوات المقبلة.

ومع حفاظ النمو الأمريكي والتضخم على ثباتهما حتى أوائل عام 2024، سيبقى الاحتياطي الفيدرالي متردداً في خفض أسعار الفائدة في الوقت القريب، على عكس نظيره الأوروبي، الذي يبدو عازماً بالفعل على بدء دورة الخفض في يونيو، وهو ما يفسر النمو الأكثر تباطؤاً في منطقة اليورو على أنه كاف للقضاء على بقايا التضخم فوق الهدف هناك.

إن التركيز الأوسع حول التضخم، ولا شيء غيره، واضح جداً في أداء المؤسستين الرئيسيتين. وبسبب ذلك جزئياً، لم تعد توقعات التضخم في السوق على المدى الطويل بعد إلى هدفها المعلن، على الرغم من الاحتجاجات المتكررة من قبل الفيدرالي والمركزي الأوروبي بأنهما ملتزمان بالوصول إلى هذه النقطة.

وقالت جويس تشانغ، رئيسة الأبحاث في بنك «جيه بي مورغان»: «إن أحد أهم 10 استنتاجات من الاجتماعات التي عقدها صندوق النقد الدولي في الآونة الأخيرة هو أن التضخم الأساسي العالمي يجب أن يستقر بالقرب من 3% بدلاً من 2%».

في غضون ذلك، ورغم علاوات المخاطر المنخفضة نسبياً في أسواق السندات طويلة الأجل، فإن المعضلة المتزايدة التي يواجهها مستثمرو السندات تتمثل في كيفية تسعير إما ارتفاع معدل التضخم بمرور الوقت، وبالتالي انخفاض العائدات الحقيقية، أو إمكانية إبقاء البنوك المركزية أسعار الفائدة أعلى لفترة أطول.

والنتيجة هي أن العائدات الاسمية لسندات الخزانة الأمريكية والسندات السيادية الأوروبية سترجع إلى ما كان يعتبر الخريف الفائت منطقة خطر بالنسبة للأسواق العالمية. وفي هذا السياق، من غير المرجح أن تعمل عناوين ماكرون الرئيسية بشأن توسيع نطاق اختصاصات المركزي الأوروبي على تهدئة الأسواق، خاصة في عام يشعر فيه الكثير من المستثمرين بالقلق إزاء التهديدات المحتملة لاستقلال الفيدرالي بعد الانتخابات الرئاسية الأمريكية في نوفمبر/تشرين الثاني المقبل.

وعلى الرغم من أنه واحد فقط من بين 20 زعيماً في منطقة اليورو، ربما يحظى ماكرون ببعض الدعم في البلدان التي كافحت بالقرب من الركود خلال الشهور التسعة الماضية، ولا تزال تواجه ارتفاع تكاليف الفائدة على أكوام الديون العامة المتضخمة.

في الواقع، أكد محافظ بنك فرنسا فرانسوا فيلروي دو غالو على هذه النقطة بقوله، إن الفترة المقبلة من تخفيضات أسعار الفائدة من قبل المركزي الأوروبي ستخلق ظروفاً مواتية لضبط الميزانية. وبينما يتمتع بنك الاحتياطي الفيدرالي بتفويض مزدوج يتمثل في تحقيق الحد الأقصى من تشغيل العمالة واستقرار الأسعار، من الواضح أن الميثاق المؤسس للبنك المركزي الأوروبي يركز فقط على التضخم منذ فترة طويلة، وإن كان بشكل أقل صرامة مما يتصور البعض. بالتالي، يعيد موقف الرئيس الفرنسي فتح نقاش طويل الأمد حول ما حدده الآباء المؤسسون للمركزي الأوروبي بشأن دوره المستقبلي، وهو الأمر الذي نوقش كثيراً عندما بدأ البنك آخر مراجعة استراتيجية له قبل ثلاث سنوات.

وتضمنت تفاصيل إعادة التفكير هذه في عام 2021 التحول إلى هدف التضخم «المتماثل» بنسبة 2% من الصيغة السابقة «قريب أو أقل»، كما تمت إضافة عبارة «تغير المناخ» كاعتبار رسمي في صياغة سياسة طويلة الأجل.

ومع إنقاذ أزمة ديون اليورو على مدى السنوات ال15 الماضية والتغيرات في السياسات الاستراتيجية، فإن هذا يترك مجالاً كبيراً للمناورة لكل من صناع القرار في البنك المركزي الأوروبي أنفسهم وسادتهم السياسيين في تغيير الأولويات والأهداف والميول المقبلة.

* محرر الأسواق المالية في «رويترز»

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/3zns2eut

عن الكاتب

محرر الأسواق المالية في «رويترز»

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"