غافين ماغواير *
تمكن منتجو الطاقة في بولندا، الأكثر اعتماداً على الفحم في أوروبا، من تعزيز إجمالي مستويات توليد الكهرباء بالتوازي مع جهودهم المبذولة حتى الآن لخفض الانبعاثات، وذلك بفضل انخفاض استخدام الفحم في محطات الطاقة المحلية والاعتماد أكثر على الرياح للتوليد.
وفي عام 2020، شهد قطاع الطاقة البولندي اضطرابات متكررة في سلسلة التوريد. ومع انتشار كوفيد-19، أثر الإغلاق والقيود المرحلية التي فرضتها وارسو في أعمال الطاقة المتجددة في البلاد. وبصرف النظر عن الأجزاء أو المكونات المستوردة، يعتمد اللاعبون المحليون في بولندا على المواد الخام المستوردة، مثل السيليكون والألومنيوم والصلب والألياف الزجاجية، والمستخدمة في تصنيع الألواح الشمسية وتوربينات الرياح ومحطات الطاقة والحرارة المشتركة.
ويتم استيراد هذه المواد بشكل رئيسي من بلدان مثل الصين والولايات المتحدة ودول أوروبية أخرى كألمانيا وبلجيكا. ومع قيود كوفيد، شهدت إمدادات المواد الخام تلك انخفاضاً كبيراً، ما أثر سلباً في الألواح الشمسية ومحطة الطاقة الحرارية المشتركة ومصنعي توربينات الرياح.
وأظهرت بيانات حديثة من مركز أبحاث الطاقة «إمبر» أن توليد الكهرباء باستخدام الفحم خلال الشهرين الأولين من العام انخفض بنسبة 9.2% مقارنة بنفس الفترة من عام 2023، لكن إجمالي إنتاج الكهرباء ارتفع بنحو 2%.
وأدى انخفاض استخدام الفحم بدوره إلى انخفاض انبعاثات قطاع الطاقة، والتي انخفضت كذلك بأكثر من 1.3 مليون طن متري من ثاني أكسيد الكربون في عام 2024 حتى فبراير/شباط، مقارنة بالعام الماضي، وإلى أدنى مستوى مسجل لتلك الفترة على الإطلاق.
وبوصفها، مركزاً صناعياً وتصنيعياً رئيسياً في أوروبا الشرقية، يخضع قطاع الطاقة في بولندا لمراقبة دقيقة من متتبعي المناخ الذين كانوا حذرين من اعتماد البلاد الدائم على الفحم لتوليد الكهرباء والطاقة بأسعار معقولة للشركات.
ولكن بفضل التوسعات السريعة في إنتاج الطاقة المتجددة، تمكن المنتجون في البلاد من خفض حصة الفحم في مزيج التوليد بشكل مطرد مع الحفاظ على إجمالي إنتاج الكهرباء ثابتاً نسبياً. إذ بلغ متوسط حصة الفحم في مزيج التوليد في بولندا 59.8% حتى الآن هذا العام، مقارنة ب 63.7% لعام 2023 كاملاً.
وخلال الشهرين الأولين من عام 2024، بلغ إنتاج الكهرباء التي تعمل بالفحم 16.35 تيراواط/ساعة، وفقاً لإمبر. ويقارن هذا الحجم ب 18 تيراواط/ساعة لنفس الفترة من عام 2023، والأدنى منذ عام 2015 على الأقل.
ولتعويض بعض التخفيضات في إنتاج الفحم، كثّفت المرافق قدراتها لتوليد الغاز بنسبة 27% إلى 2.87 تيراواط/ساعة. ومع ذلك، انخفض إجمالي إنتاج الكهرباء التي تعمل بالوقود الأحفوري بنسبة 4.4% في عام 2024 حتى فبراير، وهو أدنى مستوى لتلك الفترة منذ تسع سنوات على الأقل.
في المقابل، ارتفع إنتاج طاقة الرياح، وهي ثاني أكبر مصدر للكهرباء في بولندا، بنسبة 23.5% خلال شهر فبراير مقارنة بنفس الفترة من العام الماضي، ليصل إلى مستوى قياسي بلغ 5.78 تيراواط/ساعة. وارتفع معه إنتاج الكهرباء المولدة من الطاقة الشمسية بنسبة 40% تقريباً عند 0.90 تيراواط/ساعة، وهو رقم قياسي أيضاً.
وفي السياق ذاته، أظهرت بيانات «LSEG» أن قدرة منتجي الطاقة في بولندا على تعزيز توليد الطاقة النظيفة بأكثر من التخفيضات الحاصلة على إنتاجها من الوقود الأحفوري، ساعدت على دفع أسعار الطاقة بالجملة في بولندا إلى أدنى مستوياتها منذ منتصف عام 2021 في بداية هذا العام.
ومن المفترض أن تساعد هذه الأسعار المنخفضة بدورها على تقليل التكاليف بالنسبة للمستهلكين التجاريين كثيفي الاستخدام للطاقة، وخاصة الشركات المصنعة التي تواجه حالياَ تباطؤ الطلب، وبالتالي ليس لديها مجال كبير لرفع أسعار المنتج النهائي.
وقد تتعرض تكاليف الطاقة لمزيد من الضغوط في الأشهر المقبلة مع انخفاض الطلب عليها لأغراض التدفئة في المكاتب والمنازل بعد فصل الشتاء.
ويجب أن تستفيد المرافق أيضاً من زيادة توليد الطاقة الشمسية خلال أشهر الصيف، حيث من المحتمل أن يصل الإنتاج في يونيو ويوليو وأغسطس إلى حوالي 2 تيراواط/ساعة كل شهر بفضل قدرة الطاقة الشمسية المثبتة حديثاً.
وبالتوازي مع استمرار الإنتاج من مزارع الرياح في البلاد، من المفترض أن يساعد ارتفاع إنتاج الطاقة الشمسية على دفع حصة الطاقة النظيفة في مزيج التوليد في بولندا إلى ما يتجاوز متوسط 27.5% المسجل حتى الآن في عام 2024.
وقد يساعد ارتفاع الإنتاج النظيف أيضاً في تقليل تلوث قطاع الطاقة، والذي انخفض بالفعل بنحو 6.6% خلال الشهرين الأولين من العام الجاري مقارنة بالفترة نفسها من عام 2023.
مما لا شك فيه، أن الانخفاض المستمر في انبعاثات الطاقة في بولندا سيكون مدعاة للاحتفال بين مراقبين وخبراء التغير المناخي، حتى مع بقاء الفحم المصدر الرئيسي للطاقة في البلاد.
* كاتب متخصص في أسواق السلع وانتقال الطاقة العالمية (رويترز)
