حياة قواميسهم وقواميسنا

00:07 صباحا
قراءة دقيقتين

ما هو شعورك حين تقرأ مقالاً عن أن «دار لاروس» الفرنسية، الشهيرة بأنواع قواميسها، قد أضافت عشرات من المفردات إلى طبعة 2025، من «لاروس الصغير المصوّر»؟ كلمات ليست كالكلمات، تدخل الفرنسية الرسمية أوّل مرّة، بعضها عامّي حصل على اعتراف الفصحى به رسميّاً، والبعض الآخر إنجليزي الأصل فرْنَسوه، مع فئة ظريفة قفزت مثل «زورو» من الاستعمال الغرائبي، إلى الساحة المعجمية. بالمناسبة، درجت المعاجم في فرنسا منذ النصف الأول من القرن العشرين على إدراج الكلمات المستجدّة، حتى النابية منها. هذه المنهجية ليست واهية، فالقاموس أوّلاً وأخيراً مرآة للحياة العامّة، وليس انتقائية خاضعة لمعايير معيّنة. هكذا كانت القواميس دائماً.

قاموس أكسفورد البريطاني، هو الآخر يأتي في كل طبعة جديدة بكل جديد، حتى المفردات التي تبتكر وسائط الإعلام اشتقاقها أو نحتها أو استخدامها لغرض مختلف عمّا في تجذيرها وتطوّر دلالتها. الدعابة أحياناً أقدر من علماء اللغة على إطلاق المصطلحات. لا شيء أشهر في الفيزياء من مصطلح «بيغ بانغ»، الانفجار العظيم. كان عند انبثاقه مجرّد فكاهة. سنة 1949 كانت البي.بي.سي تحاور العالم الفيزيائي البريطاني فريد هويل، سألته: «كيف يمكن أن تصف لحظة ميلاد الكون؟» فتبسّم ضاحكاً: «إنه مثل الانفجار العظيم»، ولم يكن يدري، لا هو ولا المذيع، أن تلك الدعابة ستصير أشهر مصطلح في تاريخ الفيزياء. مثلما تقول العرب: فلان قال كذا وأرسله مثلاً.

أسرف القلم في استهلاك العمود، لكن الغرض شريف، حتى يرى القارئ رأي العقل والوعي والقضاء العادل، كم هو العربي مظلوم مهضوم الحق مغبونه، حين يطرق أبواب معاجمنا التراثية، ليقف في القرن الحادي والعشرين على دلالة كلمة توقّف نموّ دلالاتها قبل قرون. على علماء اللغة العرب أن يدركوا أن الكلمات في القواميس القديمة، مومياوات محنطة. فهي في الحقيقة مسارح متحفيّة نادرة الخيال والإيحاء. هي للتوثيق الوثيق، تستشهد بالشعر الجاهلي، لكون شعراء العصور الإسلامية ليسوا حجّة، وهو منطق مضحك، لأن أغلبية علماء اللغة وكبارهم، من شعوب وأمم شتّى.

بهذا المنطق لا يجوز لأيّ عالم لغة أمريكي أن ينبس ببنت شفة في الإنجليزية، فقد كان الجنرال ديغول يقول: «لا أعرف أيّ أمريكي هو أمريكي بحق». لقد كانت الحضارة الإسلامية قوةً جاذبةً عالمية.

لزوم ما يلزم: النتيجة الإيقاظية: المعجم أداة عملية يجب أن تواكب الحياة بالكلمات الحيّة، هو «دليل المستعمل» وليس سجلاً لما توقّف نموّ معانيه من المفردات.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/4rwt695u

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"