دور البحث العلمي في التراث

00:07 صباحا
قراءة دقيقتين
هل ثمّة تناقض بين شدة التعلق بالتراث وانخفاض منسوب دراسة الماضي؟ لا بدّ من التوضيح الصريح. شدّة التعلق بالميراث، عربيّاً، في الغالب عاطفة جيّاشة عابرة، فليس لها مقوّمات النمو بالاستثمار فيها والبناء عليها. أمّا دراسة الماضي من شتى جوانبه فهي غير قائمة على البحث العلمي، إلاّ بنسبة ضئيلة.
منذ متى قيل: «ومن حوى التاريخ في صدرهِ.. أضاف أعماراً إلى عمرهِ»؟ لكن حصاد البحوث التاريخية قليل، إذا كان المقصود الكيف لا الكمّ، والحرث التاريخي الذي يقلب التربة، البحث العلمي الذي يعيد النظر ويصحّح البصر والفكر. من تصوّر أن التاريخ العربي الإسلامي ليس في حاجة إلى رؤى نقدية موضوعية جديدة، فهو ساهٍ ساهمٌ واهم. يجب التحرّر من الإحجام الأكاديمي، والاعتراف بأن الزاد التاريخي الذي تُغذّي به الجامعات العالمية طلابها في تاريخ العرب والحضارة الإسلامية، في كوليج دو فرانس، أوكسفورد، كمبريدج، السوربون... في محاضرات متسلسلة، فيه جهود بحثية عميقة يندر وجود نظير لها في البلاد العربية. لك أن تضرب كفّاً على كفّ، من الأسى والأسف، فحريات الفكر والرأي والتعبير في بحوث تلك المؤسسات، قلّما نجد لها مثيلاً في البلاد العربية. هذا المشهد يضع العرب جميعاً أمام قضية أخلاقية إزاء أبنائهم وأحفادهم، فكأنهم يصرّون على أن تبقى الأجيال مغيّبة. ما يقوله المشتغلون بالتاريخ والمفكرون في مجالسهم الخاصة غير ما يجهرون به في وسائط الإعلام. إهمال المفكرين التناول النقدي الجادّ للتراث والتاريخ، فتح أبواب جهنّم المغالطات والدسائس من قبل فئات في وسائل التواصل، تحركها أيدٍ مغرضة، لكن كيف تستطيع العامّة اكتشاف الأغاليط والأحابيل؟
بحوث الماضي لا تقف عند التاريخ، فالإناسة، الأنثروبولوجيا، والإحاثة، علم الأحفوريات والمطمورات، الباليونتولوجيا، تتفرع منهما جداول وأنهار. علم الآثار على قِدمه نسبيّاً، ظل مديناً لأعمال الأجانب في العالم العربي أكثر من العرب أنفسهم. أليس عجيباً أن تَشدّ آثار اليمن أحد ملوك الدنمارك في القرن الثامن عشر إلى جانب الألمان والفرنسيين والبريطانيين؟ أيّامها كان العرب في سابع نومة. أضف إلى ذلك بحوثهم في تاريخ لغتنا وأدبنا وموسيقانا وتصوفنا.
لزوم ما يلزم: النتيجة الاختصارية: لماذا الإطالة؟ في جملة واحدة، يحتاج العالم العربي إلى البحث العلمي النزيه في جميع جوانب ماضيه، لكي يعرف العرب كيف يبنون مستقبلهم على أسس متينة.
[email protected]
التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/56trj5t5

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"