محافظ المستثمرين الذكية

نايغل غرين *

أرسلت «مايكروسوفت» و«ألفابت» رسالة مدوية للمستثمرين مفادها أن الاستثمار في الذكاء الاصطناعي والحوسبة السحابية يحقق عوائد مليارية ملحوظة، وذلك تبعاً لأحدث نتائجهما الفصلية. كيف لا، وقد تجاوزت نتائج الشركتين الأخيرة تقديرات «وول ستريت»، مدعومة بزيادة في إيرادات السحابة المدفوعة جزئياً بالنمو الهائل لخدمات الذكاء الاصطناعي.

وبالطبع، أشعلت هذه الأخبار فتيل أسهم كلتا الشركتين، لتحلّق «أم غوغل» بأكثر من 17%، وتتبعها عرّابة نظام التشغيل «ويندوز»، بنمو مقداره 6.3% في آخر أيام التداولات قبل أسبوعين.

ومع احتدام المنافسة الشرسة بين عمالقة التقنية، والارتفاع الكبير في إيرادات السحابة المدفوعة بنمو غير مسبوق لخدمات الذكاء الاصطناعي، يفكر المستثمرون جدياً في دمج التكنولوجيا أكثر في مزيج محافظهم الاستثمارية.

وبالفعل، سجلت منصة «أزور» السحابية من مايكروسوفت اختراقاً ملحوظاً في إيراداتها بنسبة 50%، بفضل الطلب القوي على خدمات الذكاء الاصطناعي والتعلم الآلي. وقد مكّنت المنصة، مع خدمات مثل «Azure Machine Learning»، و«Azure Cognitive Services»، الشركات في جميع أنحاء العالم من الاستفادة من الذكاء الاصطناعي في تطبيقات متنوعة، بدءاً من التحليلات التنبّئِية ومعالجة اللغات الطبيعية، مروراً بقابلية التشغيل البيني مفتوح المصدر، والأدوات المتكاملة الأخرى اللازمة لتسريع الوقت بغية تحقيق القيمة.

واستعانت كذلك شركات مثل «فيدكس»، و«كوكاكولا»، و«أيرباص»، و«سبوتيفاي» وغيرها، بخدمات الذكاء الاصطناعي لتحسين عمليات سلسلة التوريد وتوصيات المنتجات، وتبسيط عمليات التصنيع، وتعزيز مشاركة العملاء، مع فتح فرص جديدة للنمو والابتكار، وزيادة الكفاءة واكتساب مزايا تنافسية في الصناعات الخاصة بها.

وبالمثل، تُقدم اليوم منصات «ألفابت» مجموعة من الحلول المدعومة بالذكاء الاصطناعي، بما في ذلك «غوغل كلاود» التي شهدت توسعاً كبيراً في الإيرادات، يُعزى جزء كبير منها إلى العروض المرتبطة بالتقنيات ذات الصلة والتحليلات المستندة إلى أدوات التعلم الآلي. هذا بالإضافة إلى منصة «TensorFlow» التي تسلط الضوء على الاعتماد واسع النطاق على تقنيات الذكاء الاصطناعي في مختلف الصناعات وإمكانات السوق الهائلة أمام شركات التكنولوجيا لتحليل البيانات والتعرف على الصور والمزيد من الخيارات الهادفة.

في غضون ذلك، تُجسد الشراكة الاستراتيجية التي عقدتها «مايكروسوفت» مع «أوبن إيه آي» الناشئة، والتي تحدت من خلالها هيمنة غوغل طويلة الأمد في مجال البحث على الإنترنت، بالإضافة إلى استحواذها أيضاً على موقع «لينكد إن» وأداة إنشاء وتحليل التعليمات البرمجية «غيت هب»، التحركات الجريئة التي يقوم بها عمالقة التكنولوجيا لتعزيز مواقعهم القيادية في السوق بوصفهم شركات تملك آفاقاً استثمارية جذابة للمستثمرين، وتعمل على تعزيز تجارب المستخدم ودفع نمو الأعمال في جميع أنحاء العالم.

وتعد توصيات الوظائف المدعومة بالذكاء الاصطناعي وأدوات تحليل التعليمات البرمجية في كل من «لينكد إن» و«غيت هب»، مجرد أمثلة بسيطة على كيفية استفادة مايكروسوفت من الذكاء الاصطناعي لخلق قيمة لمستخدميها وأصحاب المصلحة.

ومن ناحية أخرى، قطع مختبر «ديب مايند» التابع لشركة ألفابت، وهو مختبر أبحاث رائد في مجال الذكاء الاصطناعي استحوذت عليه «غوغل» عام 2014، خطوات كبيرة في أبحاث القطاع وتطويره، مع تحقيق اختراقات في مجالات مثل التعلم المعزز وفهم اللغة الطبيعية.

ويُظهر «ألفا غو» AlphaGo، وهو برنامج مدعوم بالذكاء الاصطناعي من تطوير «ديب مايند»، تمكن من التفوق على الجميع في لعبة «غو» وقهر أكبر لاعبي العالم، التزام «ألفابت» بدفع حدود ابتكار الذكاء الاصطناعي والحفاظ على قدرتها التنافسية في سباق المنافسة العالمي ذي الصلة. يتضح مما سبق أن محاولات دمج التكنولوجيا، وخاصة الذكاء الاصطناعي، في المحافظ الاستثمارية للمستثمرين يوفر بلا شك فوائد «التنويع» ويحصن تلك المحافظ وأصحابها ضد الاضطرابات التقنية ومتلازمات التخلف عن الركب. وقد أظهرت شركات التكنولوجيا المرونة والقدرة على التكيف في اجتياز المناخات الاقتصادية المضطربة، ما جعلها استثمارات مقنعة على المدى الطويل. وقد حصد المستثمرون أنفسهم، ممن خصصوا نصيباً وافراً من رأس مالهم لأسهم عمالقة التقنية أمثال مايكروسوفت وألفابت، بالفعل ثمار أداء هذه الشركات القوي وسط تقلبات السوق.

علاوة على ذلك، أتاحت الصناديق المتداولة في البورصة، وصناديق الاستثمار المشتركة التي تركز على الذكاء الاصطناعي، للمستثمرين التعرض لمجموعة متنوعة من الشركات التي تقود ابتكارات الذكاء الاصطناعي، ما يمكنهم من الاستفادة من جميع الإمكانات التحويلية الكامنة عبر قطاعات متنوعة.

لقد أثبتت تقارير الأرباح المبهرة التي صدرت مؤخراً، وخصوصاً تلك التي تغنت بانتصارات شركتي مايكروسوفت وألفابت، أنه لا غنى عن التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي في المحافظ الاستثمارية. ومع تسارع وتيرة التقدم التكنولوجي، يجب على المستثمرين الجادين أن يفكروا في اغتنام الفرص التي يوفرها قطاع التكنولوجيا لتحقيق النمو المالي المستدام والمرونة في عالم رقمي بشكل متزايد.

* المؤسس والرئيس التنفيذي لمجموعة «ديفيرا» للاستشارات المالية والحلول الرقمية (آسيا تايمز)