عادي
صدر في الشارقة

«النسيج اليدوي».. الفن ربيب البيئة

18:28 مساء
قراءة 5 دقائق
هالة شرف الدين إبراهيم والكتاب

الشارقة: علاء الدين محمود

تؤكد الدكتورة هالة شرف الدين إبراهيم في كتاب «القيم الجمالية والوظيفية في البناء التشكيلي للنسيج اليدوي في السودان»، أن دراسة القيم الجمالية والوظيفية والفنون التشكيلية عبر الأزمنة والحقب التاريخية المختلفة؛ تحتاج إلى قدر كبير من التأني والتعمق لأهميتها كأداة من أدوات التقييم المعبرة والأساسية في البناء التشكيلي للوحة النسيجية التي نسجت يدوياً برؤية حديثة وآليات متطورة.

ولعل ذلك التعمق والتأني هو ما فعلته الكاتبة وهي تتصدى للبناء التشكيلي للنسيج اليدوي في السودان، وعكس قيمه الجمالية والوظيفية، ويركز الكتاب الصادر عن معهد الشارقة للتراث (2023) على الممارسات الجمالية في مجال النسيج في مدينة الخرطوم؛ إذ يتناول تلك المدينة العريقة من حيث التأسيس والتكوين والثقافة والمعارف، وما تحتضنه من معالم ومؤسسات ثقافية وفكرية، ويقدم الكتاب العديد من النماذج لأعمال تشكيلية نسيجية، كما أنه ينفتح على العديد من الدول والعواصم العربية وغير العربية، التي اشتهرت بالإبداعات في مجال المنسوجات اليدوية، ويقدم متعة بصرية من خلال اللوحات المتنوعة والصور، إضافة إلى المعرفة من خلال التعمق في موضوع النسيج والتكوينات الجمالية فيه.

ويقع الكتاب في 326 صفحة من الحجم الكبير، ويشتمل على تمهيد وفصلين، الأول بعنوان «الإطار النظري»، ويضم عدداً من المباحث، هي: «خلفية تاريخية لمدينة الخرطوم»؛ «الفن والإبداع»؛ «اللون»؛ «علم الجمال»؛ «علم النسيج»، و«المعلقات النسيجية»، في ما يبحث الفصل الثاني في «إجراءات الدراسة»، وهو الفصل الذي يتناول القيم الجمالية والوظيفية في البناء التشكيلي للمعلقة النسجية؛ أي القطعة المنسوجة يدوياً، كما يعرج هذا الفصل على أساليب النسيج المختلفة، حيث يعتمد الكتاب على أعمال التصميمات المنسوجة المستلهمة من البيئة السودانية الطبيعية، كما يشتمل كذلك على خاتمة وقائمة بالمصادر والمراجع، وتكمن أهمية الكتاب في أنه يلقي الضوء على أثر البيئة في انتشار هذا الفن هناك، وأبرز الفنانين الذين برعوا في هذا المجال، حيث يضم الكتاب ألبوم صور لقطع من النسيج اليدوي.

*تحول مدروس

ترسم المؤلفة في مقدمة الكتاب لوحة تشكيلية عن اكتشاف الفنون في حياة البشر، والدور الذي تلعبه في ترقي الإنسان، حيث تشير إلى أن الإنسان نشأ في الغابة وسط أعداء كُثر، وظروف بيئية متقلبة يتسلق أشجارها، ويلتقط ثمارها، وبدأ كجامع للغذاء، له احتياجاته الغرائزية والعضوية، غير حاجته إلى الطعام، وهي أن ينجب وتكون له عائلة، وتميز بمواهب عقلية وإبداع وتطور مستمرين ودائمين، وكوّن المجتمعات البشرية التي سارت في طريقها الطويل في مدارج الحضارة الإنسانية بالتدريج وببطء شديد، وكان طلب المعرفة والتعرف إلى الأشياء من حوله أهم حاجاته الأساسية؛ من أجل أن يعرف نفسه ويتعرف إلى عالمه، ولقد تعلم الكثير من المعارف وحفظها حتى ضاقت بتلك المعرفة ذاكرته، ولجأ إلى الاستعانة ببعض الآلات الوظيفية، مثل كيفية إشعال النار، وبناء المنازل؛ وتغطية سوءته ولبس ما يلائمه، وبدأ عقله يعمل وتفكيره يتكوّن كلما ازدادت التحديات التي يواجهها، فكان التحول مدروساً، وليس تلقائياً ولا فجائياً، ومن خلال هذه النقطة تحديداً يؤكد الكتاب أن دراسة القيم الجمالية والوظيفية والفنون التشكيلية عبر الأزمنة والحقب التاريخية المختلفة، مسألة في غاية الأهمية وتحتاج إلى الكثير من العمق.

*أشكال

يلفت الكتاب إلى أن اللوحة النسيجية تعد مصدراً مهماً من مصادر التحف واللوحات الفنية الجدارية المعلقة التي تنسج بطرائق عدة، ومنها على سبيل المثال: نسيج «التابستري»؛ «القباطي»؛ «السوماك»؛ «العراوي»؛ «العقد»؛ «الكليم»، و«النسيج البارز»، وكل تلك أساليب في بناء اللوحة النسيجية، وهناك أيضاً طريقة الخزف، وغيرها من أساليب النسيج اليدوي الفنية المتبعة لتقنية وتطوير النسيج اليدوي، وذلك للنهوض باللوحة التشكيلية المنسوجة يدوياً؛ لتعكس الرؤية الذاتية المختلفة للفنان، وتنقل أحاسيسه وانفعالاته الذهنية بشكل متكرر إلى المتلقي، ليفك طلاسمها ويتأملها مستفيداً منها، ويطور نفسه ومجتمعه من خلالها، أو بواسطتها.

ويعرج الكتاب على الأهمية الكبرى لصناعة المنسوجات وزخرفتها، فهي من الفنون التطبيقية التي ترتبط بشكل ما بحياة كل فرد، مثل صناعة السجاد والستائر وصناعة الأقمشة والتنجيد وأعمال التريكو، فصناعة النسيج تمتاز بالخامات والألوان المتعددة، كما تشمل الإمكانيات التجارية والفنية التي لها تأثير قوي، كما يرى الفنان برنار مايز، وكذلك تطورت المشغولات النسيجية تطوراً كبيراً بحكم ما استحدث فيها من تأثيرات فنية بشكل واسع النطاق، وقد أثر التقدم التكنولوجي في مختلف مجالات التصميم النسيجي، من خلال تقنيات الكمبيوتر، وذلك من خلال التنوع الكبير الذي طرأ على الخيوط والتصميم البنائي للمشغولة النسيجية، ونفذت كثير من الأعمال الفنية التشخيصية والتعبيرية عن طريق التصميم النسيجي، ويعتبر فن المعلقات النسيجية من الفنون الأكثر ثراء في مجال الفنون التشكيلية، فهو من أقدم وأشهر الفنون، وله جذور متأصلة.

*بيئة مؤثرة

يشير الكتاب إلى أن للبيئة المحيطة بالإنسان دورها الفعال والمؤثر في العلاقات الاجتماعية، فعليها تجري الأحداث انطلاقاً من خطوات الإنسان الأول نحو التجمع البشري وحتى الآن، وأن الأفعال البشرية تقترن بالمكان الذي يترك ملامحه وتأثيراته فيها، والفنان كإنسان يتميز بقدرته على التوافق مع بيئته التي يعيش فيها؛ إذ أن تعامله مع البيئة وتفاعله مع مكوناتها يتطلب منه بالضرورة أن يعرف تلك المكونات ليتسنى له التكيف معها، ويوظفها لتلبية متطلباته الفنية ونشاطاته المختلفة، كما أن البيئة هي الأصل الذي يبعث تلك الصدمات والمقاومات والمساعدات المُكوّنة للصورة الذهنية لدى الفنان، ولا بد له من أن يمتلك قدراً كبيراً من المعرفة، وأن ينتبه إلى مفردات ومكونات البيئة وعناصرها، وأن يدركها بكل حواسه، فالعمليات الإدراكية عند الفنان تؤلف القاعدة الأساسية والضرورية لتنشيط العمليات الفنية والمعرفية، وهي تصمم في العقل، مثل التصور والتخيل والتفسير والتذكر، فالفنان إنسان يتفاعل مع مجتمعه، فالبيئة تؤثر فيه ويؤثر فيها، ثم يخلق بيئته الفنية الخاصة بعوالم متميزة تحمل هدفه الفكري والفلسفي والجمالي من خلال تفكيك وإعادة تركيب البيئة المحيطة به.

*خلفية

الكتاب بمنزلة دعوة إلى التأمل في الفنون وبصورة خاصة الأعمال التشكيلية النسيجية، ومؤلفته في الأصل فنانة تشكيلية، لها العديد من الإبداعات، وهي متخصصة في هذا الضرب الجمالي، فقد نالت درجة البكالوريوس في التصميم وطباعة المنسوجات من كلية الفنون الجميلة والتطبيقية في الخرطوم، والماجستير في تصميم وطباعة المنسوجات من جامعة السودان، أما شهادة الدكتوراه، فقد كانت حول «فلسفة الفنون»، وهي بذلك تمتلك باعاً طويلاً وخبرة ودراية في مجال البناء التشكيلي للنسيج اليدوي.

*اقتباسات

«دائماً ما يحدث خلط بين الجمال والفن، إلا أن الجمال يختلف عن الفن من جهة الأمور الحسية والوجدانية».

«جمالية الأخلاق تشير إلى فكرة أن سلوك الإنسان وتصرفاته محكومة بين ما هو جميل وجذاب».

«الفنان يمتاز بالموهبة والقدرة على إحداث التغيير في الشكل الأبيض للوحة».

«الألوان جميلة في ذاتها، وتؤثر كثيرا في عواطفنا».

«الرمز ملازم لوجود الإنسان منذ ظهوره على هذه البسيطة، وهو حاضر في حياته بمظاهرها المختلفة».

«التعبير الفني هو خلاصة الانفعالات، والتي تجسد في وسط مادي ابتكاري وتقليدي».

«للبيئة والثقافة دور مهم وواضح في بلورة سمات التعبير عن النسيج اليدوي».

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"