أثر كافكا

03:00 صباحا
قراءة دقيقتين
علاء الدين محمود

نستطيع القول إن أثر الكاتب التشيكي فرانس كافكا (1883 1924)، حاضر تماماً في إبداعات أبناء عصرنا الراهن من كتاب القصة القصيرة والروائيين، ولعل تأثير كافكا وهيمنته على المشهد السردي الراهن، يشبه إلى حد كبير أثر وتأثير الفيلسوف الألماني نيتشة (1844 1900)، فالتفكير بالمطرقة عند الأخير ألهم فلاسفة معاصرين أمثال ميشيل فوكو، ودولوز، وجاك دريدا، وغيرهم، ولئن كان نيتشة قد استخدم عبارة المطرقة، فإلى تعبير قريب منه قد ذهب كافكا عندما قال: «يجب أن يكون الكتاب بمثابة الفأس لبحر الجليد بداخلنا»، هو أسلوب الصدمة الذي يغالط السائد من الأفكار في المجتمع الذي عاش فيه كل من الفيلسوف والأديب، فكانت الرؤية والاستبصار هما ما يجمع بينهما، فإذا كان نيتشة قد ظن أن فلسفته مؤجلة لأجيال قادمة تستوعبها وتفهمها، فإن المقولة التي رددها كافكا كانت تشير أيضاً إلى نبوءة بأن روايته «المسخ» أو «التحول» ستُحدث أثراً كبيراً في قراء وكتاب المستقبل. وبالفعل أصبح «جريجور سامسا» بطل «المسخ»، حاضراً بصورة أو بأخرى في معظم الروايات والسرديات الحديثة.

ولئن كانت كتابات كافكا التي أمر بحرقها أو تمزيقها، قد عايشت أزمنة القهر، فكانت نتاجاً لتشظي الإنسان وقهره؛ فإن العالم اليوم يعيش في تمام الاغتراب والتشظي بفعل سيادة ثقافة الاستهلاك والرأسمالية.

لقد كان لكافكا تأثير في أجيال عديدة، ففي القرن العشرين بدأت صرعته تنتشر، وتورط في أثره كتاب من الحجم الكبير من أمثال: لويس بورخيس، وألبير كامو، وسارتر، وروب جرييه، وناتالي ساورت وغيرهم؛ بل إن ظلاله حاضرة في أعمال كثير من الأدباء في مختلف أنحاء العالم، وقد ظهر خلال القرن العشرين مصطلح «الكافكوية» ليشير ويؤكد الأثر، وهو مصطلح يعبر عن الأعمال الأدبية التي تحتشد بالغرائبيات والسوريالية، ولعل الأمر الذي قد يفاجئ كثيرين هو أن رائعة جابرييل جارسيا ماركيز «مئة عام من العزلة»، هي من أثر قراءة الروائي الكولومبي الشهير لرواية المسخ، ويقول ماركيز بهذه المناسبة: «عندما أنهيت قراءة المسخ، شعرت بشوق لا يقاوم للعيش في ذلك الفردوس الغريب، يومها حملت الآلة الكاتبة محاولاً كتابة شيء من شأنه أن يشبه بطل كافكا المسكين يتحول لصرصور ضخم».

عوالم كافكا المحتشدة بقيم الخوف والرعب، كانت معدية جداً لم ينج الكتاب في مختلف أنحاء العالم من الإصابة بعشق «اللا معقول» والغموض والغرائبية، وفي العالم العربي تسربت عوالم كافكا وفنتازيته إلى الرواية العربية، حيث تأثر الكتاب الشباب العرب بهذه الفضاءات.

ومما ساعد على ذلك، غرابة العصر الذي يعيشونه، حيث محنة الضمير المعذب، والعزلة القاتلة، والإحساس بالقهر، والعيش في حالة انتظار مستمر.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

صحفي وكاتب سوداني، عمل في العديد من الصحف السودانية، وراسل إصدارات عربية، وعمل في قنوات فضائية، وكتب العديد من المقالات في الشأن الثقافي والسياسي، ويعمل الآن محررا في القسم الثقافي في صحيفة الخليج الإماراتية

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"