«الرواية هي رؤية للمجتمع»، هكذا تحدث أحد أكبر الروائيين الأفارقة الذين استقبلهم العالم باحتفاء شديد، وهو الكاتب الكيني نجوبي واثيونجو، والذي يعتبر من أبرز الروائيين العالميين الذين برعوا في رصد وتصوير المشاهد اليومية في المجتمع وعوالمه المختلفة في نسيج روائي فريد.
ففي كتاباته نجد الأماكن والحكايات، وتعاطي الناس مع السياسة وتأثيرها في حياتهم، وغيرها من مشاهد الواقع، فواثيونجو ينطلق من ضرورة أن تنهض الرواية على التجربة المعيشة والمحسوسة.
وتصديقاً لذلك؛ فإن روايات الأديب الإفريقي ومجموعاته القصصية ترجمت إلى أكثر من لغة عالمية، على الرغم من أن الرجل كان يكتب باللغة المحلية، إمعاناً في التعبير عن مجتمعه.
إن الرواية كشكل فني وإبداعي هي نتاج المجتمع، نشأت داخله استجابة لتطوره، فقد برز فن الرواية في الغرب عبر الظروف والصراعات والتحولات الكبرى فيه، فكانت الرواية هي ما قدمه العقل الغربي من ضمن ابتكاراته في سعيه لإيجاد الحلول والمقترحات لمشاكله، والتعقيدات التي يعانيها على الصعيد الاجتماعي.
ويرى كثير من النقاد أن معظم الأعمال العالمية التي خلدت قديماً وحديثاً، كانت قد حققت شهرة كبيرة لانطلاقها من الواقع الاجتماعي أو السياسي والتعبير عنه، ويكفي أن نطالع أعمالاً مثل: «الحرب والسلام» لتولستوي، و«ذهب مع الريح» لمارجريت ميتشل، و«مزرعة الحيوان» لجورج أورويل، و«البؤساء» و«أحدب نوتردام»، لفيكتور هوجو؛ بل حتى روايات مثل: «الحب في زمن الكوليرا»، و«مائة عام من العزلة»، لجارثيا ماركيز، وأعمال نجيب محفوظ في العالم العربي، لنكتشف أن سر خلودها، يكمن في محمولاتها الاجتماعية والسياسية.
وبطبيعة الحال، فإن التناول المقصود للمجتمع يأتي من واقع مغاير للتقليدية والمباشرة، وينطلق من اشتغال خلاق ومبدع يحمل رؤى وأفكاراً للكاتب، تسكن البنى النصية الدلالية والسردية. فالأدب ليس بالضرورة هو مرآة تعكس الواقع الاجتماعي بصورة مباشرة؛ بل هو قراءة ومعايشة له، ثم إعادة تأويله وبنائه، فالكاتب الفذ هو الذي ينفتح بأخيلته ورؤاه نحو المجتمع، لينبش في المخفي والمسكوت عنه، ويلقي الضوء على المناطق المظلمة فيه.
وقد ظلت العلاقة بين الأدب والمجتمع موضوع بحث الأكاديميين والنقاد والدارسين، فقد اقتفوا أثرها منذ أفلاطون وحتى زماننا المعاصر. ولئن كان الشعر قد عبر عن هذه العلاقة ردحاً من الزمان، فإن الرواية حملت أدوات جديدة من حيث الشكل والمضمون جعلتها أكثر مرونة للتصدي لهذه المهمة، مما جعلها قادرة على طرح الأسئلة ذات المضامين والدلالات الاجتماعية العميقة.
وفي العصر الراهن الذي يوصف بعصر السرعة وسيادة نمط وثقافة الاستهلاك، تتجه الرواية نحو المجتمع بصورة أكثر عمقاً وجرأة، لترصد التحولات والتشظي النفسي والروحي في حياة الأفراد، نتاج عدم المقدرة على التواصل الاجتماعي.
علاء الدين محمود
مقالات أخرى للكاتب
![صحيفة الخليج صحيفة الخليج](/sites/default/files/2022-09/share-image.png)
![صحيفة الخليج صحيفة الخليج](/sites/default/files/2022-09/share-image.png)
![صحيفة الخليج صحيفة الخليج](/sites/default/files/2022-09/share-image.png)
![صحيفة الخليج صحيفة الخليج](/sites/default/files/2022-09/share-image.png)
قد يعجبك ايضا
![مقر «إي آند» في أبوظبي](/sites/default/files/2024-07/6147570.jpeg)
![كوبا أمريكا: الأورجواي تهزم البرازيل وتصعد لقبل النهائي](/sites/default/files/2024-07/6147557.jpeg)
![بوسناد ولوتاه خلال الاجتماع المشترك بحضور أعضاء الدائرتين](/sites/default/files/2024-07/6147550.jpeg)
![فنزويلا.. المعارضة تحتشد في «معقل تشافيز» وتتعهد بهزيمة «مادورو»](/sites/default/files/2024-07/6147536.jpeg)
![موسكو: غرق 49 شخصاً بأنحاء البلاد أثناء موجة حارة](/sites/default/files/2024-07/6147532.jpeg)
![ضغوط الديمقراطيين تتزايد.. وبايدن عازم على الصمود](/sites/default/files/2024-07/6147527.jpeg)
![اندلاع حريق في خط أنابيب غاز بشبه جزيرة القرم](/sites/default/files/2024-07/6147518.jpeg)
![مالي وبوركينا فاسو والنيجر يشكلون اتحاداً جديداً بمنطقة الساحل](/sites/default/files/2024-07/6147507.jpeg)