مسرح المستقبل

02:56 صباحا
قراءة دقيقتين
علاء الدين محمود

أثبت المسرح كفن إبداعي مقدرته الكبيرة على تشكيل الوعي، والمعرفة، وترسيخ وعكس حضارات الشعوب، حتى صارت مقولة «أعطني مسرحاً أعطيك شعباً»، تردد بكثرة في كل أنحاء العالم، كدلالة معرفية للدور الكبير الذي يقوم به المسرح. وقد تمرحل وتطور هذا الفن حتى أنه قد دخل ضمن العملية التربوية والتعليمية فنشأ ما يعرف ب«مسرح الطفل»، والذي تطور عبر عملية طويلة، حيث صارت له عناصره وأساليبه في العمل، ومفرداته المختلفة ذات الخصوصية، وذلك لأنه يتوجه نحو فئة عمرية محددة مطلوب منها أن تتلقى الرسائل المسرحية بآليات خاصة من الخطاب المسرحي.
وقد أثبتت تجربة مسرح الطفل أنه يمثل منشطاً إبداعياً، يسهم بشكل قوي في تكوين المعارف، وعملية التثقيف، كما أنه يمد الأطفال بالتجارب التي تشكل شخصيتهم وتعدهم للمستقبل، ومن ذلك تبرز أهمية أن ينتقل ذلك الدور الذي يلعبه مسرح الطفل إلى الأسر والبيوت، كما في المدارس، فقد تطورت الأفكار التعليمية ووجه الكثير من التربويين والمفكرين بضرورة الخروج من الفصل المغلق، إلى رحاب التعلم في الفضاءات الطلقة المفتوحة، بأساليب حديثة، من أجل توسيع المدارك والخيال، وقد أكد الفيلسوف الفرنسي جان جاك رسو، على ضرورة التعلم من خلال توظيف اللعب والحركة والحواس والمشاركة، وكذلك الكاتب الأمريكي مارك توين، الذي لفت إلى أن مسرح الطفل هو من أعظم الاختراعات في القرن العشرين، وأن قيمته الكبيرة، التي لم تكن تبدو واضحة أو مفهومة آنذاك سوف تتجلى قريباً، فهو أقوى معلم للأخلاق وخير دافع للسلوك الطيب اهتدت إليه عبقرية الإنسان، لأن دروسه لا تلقن بالكتب بطريقة مرهقة، أو في المنزل بطريقة مملة، بل بالحركة المنظورة التي تبعث الحماسة وتصل مباشرة إلى قلوب الأطفال التي تعد أنسب وعاء لهذه الدروس، وقد صدقت رؤية توين تلك، وصار لمسرح الطفل دور وشكل فعّال في العملية التربوية، والتكوين النفسي وإعداد الشخصية الإنسانية، فمسألة التأسيس المعرفي للإنسان تبدأ منذ الطفولة الباكرة.
إن معظم الدول العربية لا تهتم بمسرح الطفل، فيما عدا دول قليلة رسمت طريقاً ومنهجاً متكاملاً في قضية إعداد أجيال المستقبل، فعملت على الاهتمام بمسرح الأطفال، على نحو ما تفعل دولة الإمارات التي نظمت مهرجانات متخصصة في هذا المجال، فهنالك مهرجان لمسرح الطفل وآخر للمسرح المدرسي، وثالث للمسرح الكشفي، وهي تؤكد إيمان الدولة برسالة المسرح في إعداد أجيال المستقبل، ومن الضروري أن يصبح لهذا الضرب الإبداعي والتعليمي وضعه المتميز في جميع أنحاء الوطن العربي.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

صحفي وكاتب سوداني، عمل في العديد من الصحف السودانية، وراسل إصدارات عربية، وعمل في قنوات فضائية، وكتب العديد من المقالات في الشأن الثقافي والسياسي، ويعمل الآن محررا في القسم الثقافي في صحيفة الخليج الإماراتية

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"