أوبك والمستقبل

04:22 صباحا
قراءة 3 دقائق

كما كان متوقعاً، لم يسفر اجتماع منظمة الدول المصدرة للبترول (أوبك) الدوري في فيينا منتصف أكتوبر/تشرين الأول عن أي مفاجآت . أبقت أوبك على حصص الإنتاج من دون تغيير، مع الأخذ في الاعتبار أهمية التزام الدول العشر بالحصص المقررة، وأرجئ إدخال العراق في نظام الحصص إلى أن تستقر أوضاعه . ورغم الجدل الذي ثار في وسائل الإعلام الاقتصادية، فقد كان قرار أوبك صائباً مع وضع قطاع النفط العراقي الحالي، رغم عقود التطوير مع الشركات العالمية الكبرى . وفي ذلك حفاظ على الهدف الأساسي من إنشاء أوبك قبل نصف قرن .

فحين تأسست أوبك قبل نصف قرن، كان هدفها الأساسي إعادة سيطرة الدول الأعضاء على ثروتها النفطية في مواجهة شركات النفط العالمية الكبرى والتي عرفت وقتها بالأخوات السبع وقد تحقق ذلك إلى حد كبير كما أرادت الدول الخمس المؤسسة لها (العراق وإيران وفنزويلا والسعودية والكويت) . وأصبحت الثروة النفطية في كبرى دول المنظمة مثل السعودية والإمارات التي تدير ثروتها أرامكو وأبوظبي الوطنية .

وفي السبعينات كان نصيب دول أوبك من انتاج النفط العالمي بنسبة 50 في المئة، وتراجع الآن الى 40 في المئة من إنتاج النفط اليومي في العالم . إلا أن نصيب دول أوبك من تجارة النفط العالمية لا يقل عن 60 في المئة .

إلا أن هناك مبالغة في قدرة أوبك على التحكم في السوق وتحديد الأسعار . وأفضل مثال على ذلك ما حدث في نهاية التسعينات، من انهيار الأسعار وعدم قدرة المنظمة، رغم قرارات تحديد سقف الإنتاج، على ضبط السوق إلا بعدما تلاشت آثار الأزمة المالية الآسيوية الشهيرة التي عصفت بالاقتصاد العالمي . وكذلك ما حدث في منتصف ،2008 عندما ارتفعت الأسعار إلى 150 دولاراً للبرميل، فرغم أن السعودية زادت إنتاجها إلى الحد الأقصى من قدراتها الاحتياطية، إلا أن الأسواق لم تهدأ، إلا مع الركود الاقتصادي العالمي وضعف الطلب نتيجة الأزمة .

كما أن بعض محاولات التدخل من جانب المنظمة أدت إلى نتائج عكسية، لم تقتصر فقط على صورتها في العالم التي شوهها الإعلام، بل كان لها أثر أيضاً في السوق . فقد أدت قرارات أوبك في السبعينات، خلال أزمة النفط، وربما حتى منذ مجرد تأسيس المنظمة في مطلع الستينات إلى بحث الدول المستهلكة عن مصادر أخرى للطاقة . وكان أن زاد التنقيب والاستكشاف والاستخراج في بحر الشمال والاسكا وروسيا . وإذا كان نفط بحر الشمال أخذ في التراجع الآن، وتعرض إنتاج الاسكا لأكثر من نكسة، فإن روسيا تعد المستفيد الأكبر من كل التبعات السلبية التي وقعت على أوبك . فقد زادت أوبك من إنتاجها وقدراتها التصديرية بشكل كبير على حساب دول أوبك .

ورغم الدور المتوازن لأوبك في السوق، أي إنها توفر العرض اللازم لتلبية الطلب، حين زيادة الأخير وتقلل من الفائض في السوق للحيلولة دون انهيار السوق، لكنها لم تسلم من التشويه الإعلامي . إذ يجد السياسيون في الدول الصناعية المستهلكة في أوبك هدفاً سهلاً لتنفيس غضب جماهيرهم من ارتفاع أسعار الوقود (وأكثر من ثلثي تلك الأسعار ضرائب ورسوم لتلك الحكومات) فتلام في كل أزمة . ولأن أغلب دول أوبك من دول الخليج أو دول عربية، فتلك مادة سائغة للإعلام المغرض لتصوير أوبك على أنها تكتل احتكاري لمجموعة من الجشعين الذين يبتزون المستهلك الغربي .

إلا أنه في السنوات الأخيرة بدأ الناس يدركون إلى حد ما طبعاً أن ذلك التشويه لا أساس له . وأسهمت أوبك في تحسين الصورة عبر منتدى النفط والغاز الذي يضم المنتجين والمستهلكين بهدف الحفاظ على استقرار السوق .

لكن التحدي الحقيقي الذي يواجه أوبك في المستقبل، هو زيادة المخاوف البيئية في العالم، واتجاه الدول الصناعية لتطوير بدائل للنفط . وليس معنى ذلك أن العالم سيتوقف عن استهلاك النفط في المدى المنظور . فأكثر ما يغذي الطلب على النفط هو النقل والمواصلات (أكثر من 50 في المئة من الاستهلاك)، ولا يتوقع أن تصبح السيارات الكهربائية أو التي تعمل بالوقود الحيوي وسيلة نقل رئيسية قريباً . كما أن استهلاك وسائل النقل في ازدياد مع تطور اقتصادات الدول الصاعدة وزيادة اقتناء السيارات الخاصة فيها . إلا ان هذا لا يقلل من أهمية أن تبدأ الدول المنتجة والمصدرة للنفط في الاستثمار في الطاقة البديلة . ولعل في تجربة الإمارات عبر مشروع مدينة مصدر للطاقة الشمسية مثالاً على ما يتعين على بقية الدول ان تفكر فيه .

خبير اقتصادي

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"