العقوبات الأمريكية تزيد مشكلات طهران

02:32 صباحا
قراءة 4 دقائق

اعترف وزير المالية الإيراني شمس الدين الحسيني بتأثير العقوبات في اقتصاد بلاده حين قال في مقابلة تلفزيونية الشهر الماضي إن إيران تواجه انخفاضا بنسبة 50 في المئة في عائدات النفط مضيفاً أن ذلك سيؤدي إلى تراجع عائدات الحكومة للعام المالي الحالي الذي ينتهي في مارس/آذار 2013 الى 77 مليار دولار مقابل ما كان مستهدفاً عند 117 مليار دولار لهذا العام المالي . يتسق كلام وزير المالية مع تقديرات مؤسسات كثيرة بأن صادرات إيران النفطية تراجعت بمقدار النصف تقريبا لتصل في المتوسط الى 1 .1 مليون برميل يومياً خلال عام 2012 بسبب العقوبات الأمريكية والأوروبية على الجمهورية الإسلامية . وما لم يحدث تطور درامي في العلاقات بين إيران والغرب، ستستمر تلك العقوبات في التأثير السلبي في الاقتصاد الإيراني وربما بمعدل أكبر بكثير من العام المنصرم .

وضعت إيران ميزانية 2012-2013 على اساس مستهدف صادرات نفطية عند 2 .2 مليون برميل في المتوسط، لكن العقوبات ادت الى انخفاض تلك الصادرات بمقدار النصف ما أدى إلى الضغوط على الواردات اجمالاً . فالصادرات النفطية تشكل نحو 80 في المئة من عائدات الصادرات لإيران وتشكل العائدات النفطية ما بين 50 و60 في المئة من عائدات الحكومة . وحتى مع احتمال ارتفاع أسعار النفط، يظل هناك تراجع في العائدات اذا استمرت العقوبات في العام الحالي واذا تعززت تضاعف التأثير السلبي لها في الاقتصاد الإيراني عموماً . والمشكلة التي تواجه الحكومة الإيرانية ان هذا التراجع الكبير في العائدات يؤدي الى ضغوط اوسع تأثيرا في الاقتصاد، خاصة في مجال الاستثمار وتوفير فرص العمل والحد من معدلات البطالة والتضخم .

على سبيل المثال فإن الخطة الخمسية الخامسة (من 2010 إلى 2015) وضعت مستهدفاً للنمو الاقتصادي عند 8 في المئة لكي تتمكن الحكومة من خفض معدل البطالة نسبة 7 في المئة بحلول عام 2015 ويعني ذلك الحاجة الى توفير مليون فرصة عمل سنويا . ربما كانت إيران فعلا متمرسة في مواجهة العقوبات، وقد تكون طورت بالفعل وسائل للتغلب على المزيد منها، لكن استمرار العقوبات الحالية يصعب الحد من تأثيره السلبي على الاقتصاد الإيراني . فإلى جانب العقوبات الأمريكية التي تجرم أي شركة لها عمل مع الأمريكيين وتتعامل مع إيران، خاصة التعامل مع البنك المركزي الإيراني، ثم العقوبات الأوروبية التي حظرت استيراد النفط الإيراني اشد بالفعل من قدرة الجمهورية الإسلامية على الالتفاف عليها . ولم يكتف الأوروبيون بحظر استيراد النفط الإيراني بل فرضوا قيودًا مشددة على شركات التأمين التي يمكن أن تؤمن على ناقلات تحمل نفطا إيرانياً، وبالتالي أضروا أيضاً بالنافذة المتبقية لصادرات النفط الإيرانية وهي دول آسيا . وإن كانت الولايات المتحدة منحت كبار مستوردي النفط الإيراني من الدول الآسيوية (الصين والهند وكوريا الجنوبية واليابان) استثناء من العقوبات التي تفرضها على إيران إلا أنه جعلته استثناا مشروطاً بخفض تلك الدول لوارداتها النفطية من الجمهورية الإسلامية .

ومن بين الدول الآسيوية الأربع تعتمد إيران أكثر على الصين التي تستورد الآن تقريباً نصف صادرات إيران النفطية، وتعد الصين الشريك التجاري الأكبر لإيران اذ بلغ حجم صادراتها اليها عام 2011 ما يزيد على 27 مليار دولار مقابل أكثر قليلاً من مليار ونصف المليار دولار عام 2000 . لكن المشكلة أن مستوردي النفط الإيراني في الصين، منها اثنتان من الشركات الحكومية، ولا شك ان بكين توازن بدقة بين علاقاتها الأمريكية وحاجتها للنفط الإيراني الذي تحصل عليه الآن بشروط تفضيلية .

مع ذلك، خفضت الصين خلال العام المنصرم وارداتها من النفط الإيراني بنسبة 23 في المئة تقريباً الى 422 الفاً و800 برميل يوميا . أما اليابان والهند وكوريا الجنوبية فإنها تهتم بعلاقاتها مع واشنطن أكثر من الصين، ومن ثم قد تواصل خفض وارداتها من النفط الإيراني خلال العام 2013 ما لم تحدث تسوية لقضية البرنامج النووي الإيراني تتضمن تخفيف العقوبات الغربية على طهران . وفي الأشهر العشرة الأولى من العام المنصرم خفضت الهند وارداتها النفطية من إيران بنسبة 41 في المئة الى 188 ألف برميل يومياً، وتشير تقارير إلى أنها قد تخفضها مجدداً في 2013 بنسب تتراوح ما بين 10 و15 في المئة . كذلك يتوقع ان تخفض اليابان وارداتها من النفط الإيراني بنسبة تصل الى 15 في المئة في ،2013 أما كوريا الجنوبية فتعتزم خفض وارداتها النفطية من إيران بنسبة 20 في المئة الى 148 ألف برميل يومياً فقط .

اضف إلى كل ذلك أن الوضع الذي تعانيه الحكومة الإيرانية جعل مستوردي نفطها الآسيويين يتشددون في الحصول على شروط تفضيلية أكثر في الأسعار وطريقة الدفع بما يزيد من مشكلات طهران في الحصول على عائدات . فعلى سبيل المثال تقدم إيران 100 الف برميل يومياً لباكستان بشروط غاية في التيسير والدفع المؤجل . وتضغط الهند كل فترة بوضع شروط استيراد لمصلحتها ويقبل بها الإيرانيون لأنه لا خيار أمامهم .

* خبير اقتصادي

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"