حرب عملات أم أزمة أمريكا مع العالم؟

00:51 صباحا
قراءة 4 دقائق

لعنوان الرئيسي في الإعلام الاقتصادي حول العالم الآن هو حول حرب العملات بعدما حذر صندوق النقد الدولي من تدخلات الدول لإبقاء عملاتها الوطنية منخفضة القيمة امام الدولار الأمريكي . ورغم البيان الختامي لاجتماعات محافظي البنوك المركزية ووزراء مالية دول مجموعة العشرين في كوريا الجنوبية قبل نهاية اكتوبر/تشرين الأول، الذي تحدث عن اتفاق على تفادي حرب عملات، الا ان الواقع يبدو غير ذلك تماما . فلم يفصل البيان أي إجراءات تم الاتفاق عليها، والواضح ان دول مجموعة العشرين متفهمة لأن حرب عملات بشكل عام أمر ضار وأن اختلالات كبرى تضر بالاقتصاد العالمي لكن من دون الدخول في تفاصيل .

وفشلت الولايات المتحدة في فرض مقترح ذهبت به الى الاجتماعات، وهو وضع آلية محددة بالارقام لتقليل فائض الحساب الجاري لدى الدول التي لديها فائض مع سقف للعجز يساوي عجز الميزان الجاري الأمريكي . هذا بالطبع اضافة الى الهدف الاساسي الأمريكي الذي تسخر له كل وسائل الاعلام الاقتصادي الغربية وهو اجبار الصين على ترك عملتها ترتفع في قيمتها مقابل الدولار . والهدف الأمريكي واضح تماما، وهو ترك الدولار يهبط اكثر لزيادة الصادرات الأمريكية للعالم وتقليل قيمة ديون امريكا للعالم وكي يمكن لواشنطن الاستمرار في الاقتراض من دون توسيع الخلل في الميزانية بزيادة عجز الحساب الجاري .

لم يقتصر رفض المقترح الأمريكي على الصين فقط، كما يعتقد كثيرون، بل إن المانيا أيضاً رفضته ولم تتحمس له اي دولة اخرى باستثناء موافقة بريطانية على استحياء . فواشنطن ارادت وضع سقف رقمي محدد وملزم بألا يزيد فائض الحساب الجاري لأي دولة، او يقل عجزها عن نسبة 4 في المئة من الناتج المحلي الاجمالي . وبما ان عجز الحساب الجاري الأمريكي حاليا هو في حدود 4 في المئة فلن تكون هناك اي التزامات من جانب واشنطن . انما المستهدف هو فائض الحساب الجاري في دول مثل الصين والمانيا واليابان . والواقع ان فائض الحساب الجاري في الصين مرشح للتراجع الى ما دون 4 في المئة في العامين المقبلين، فربما لم يكن ذلك مشكلة كبيرة للصين إذاً، لكن أمريكا ارادت ان تبدو كأنها تتشدد مع الصين وتجبرها على اتخاذ اجراءات لأسباب سياسية داخلية تتعلق بموجة لوم الصين على كل مشاكل امريكا الاقتصادية، بسبب الهوة الواسعة في الميزان التجاري بين البلدين لصالح الصين . فالمانيا مثلا، لديها فائض في الحساب الجاري يتجاوز 5 في المئة من الناتج المحلي الاجمالي . ومع ان السعودية وهي عضو في مجموعة العشرين لديها فائض في الحساب الجاري اكبر من ذلك، الا انها مستثناة بسبب تراكم الفائض نتيجة صادرات النفط وقد ذكر البيان الختامي لمسؤولي مالية مجموعة العشرين موضوع العائد من صادرات السلع بوضوح .

وتشير الارقام المتاحة الى تراجع فائض الحساب الجاري الصيني من 11 في المئة من الناتج المحلي الاجمالي عام 2007 الى 6 في المئة فقط العام الماضي (2009)، ويتوقع ان ينهي هذا العام وهو اقل من 5 في المئة من الناتج المحلي الاجمالي . في المقابل ارتفع عجز الميزان الجاري الأمريكي من 7 .2 في المئة من الناتج المحلي الاجمالي العام الماضي الى نسبة متوقعة بنهاية هذا العام عند 9 .3 في المئة ويتوقع ان يظل في حدود 4 في المئة في السنوات الثلاث المقبلة .

ورغم وجاهة اقتراحات ادارة النظام المالي العالمي عبر التزامات محددة، فإن ذلك يتناقض مع أساسيات حرية السوق التي رفضت الدول الكبرى الصناعية حتى الآن تنظيمها بعد الأزمة المالية التي عصفت بالعالم قبل ثلاث سنوات . ذلك لأن اقتصادات رئيسية مثل امريكا وبريطانيا كانت بانتظار ان تحل آليات السوق الحر تلك مشكلتها الهيكلية مع نمو كبير في الاقتصادات الصاعدة في العالم، خاصة في آسيا والى حد ما امريكا اللاتينية والشرق الاوسط . لكن عدم الاهتمام من البداية بالحاجة الى ضبط النظام المالي العالمي ترك الباب مفتوحا لكل دولة للتدخل بما تراه في مصلحتها . ولم تستفد بريطانيا وامريكا كثيرا من ذلك .

لا يعني ذلك انه لا توجد مشكلة سعر صرف في العالم الان، بل على العكس هناك مشكلة لكنها تتعلق يالاساس بعدم هبوط الدولار بالقدر الذي كان يريده الأمريكيون (اي بنسبة ما بين 10 و15 في المئة في العامين الاخيرين) . وزادت المضاربة على عملات الاقتصادات الصاعدة، خصوصاً في آسيا، في العامين الاخيرين بما يهدد بفقاعة مالية جديدة . فقد ارتفع سعر صرف الريال البرازيلي امام الدولار الأمريكي بنسبة 39 في المئة منذ مطلع العام الجاري حتى الان . فيما ارتفاع الباهت التايلاندي مثلا بنسبة 16 في المئة امام الدولار في تلك الفترة . كذلك زاد سعر صرف الدولار الاسترالي والدولار الكندي منذ العام الماضي باطراد حتى كاد كل منهما يتساوى مع الدولار الأمريكي . لكن ذلك لا يبدو كافياً لأمريكيا لحل مشكلة زيادة الصادرات وتقليل قيمة الديون الأمريكية للعالم .

وينصب التركيز على العملة الصينية، اليوان، التي يقول الأمريكيون انها اقل من قيمتها الحقيقية بنسبة ما بين 15 الى 25 في المئة (وهي ذات النسبة تقريبا التي يريدون ان ينخفض بها سعر الدولار) . لكن الصين ليست وحدها التي تتبع سياسة نقدية تحافظ على اقتصادها، فها هي اليابان تتدخل يوميا في سوق العملات للحفاظ على الين من الارتفاع امام الدولار كي لا يصل الى حاجز 80 يناً للدولار (بعدما كان الدولار يساوي 120 ينا قبل سنوات قليلة) . ومن غير المتوقع ان تتمكن امريكا من حل ازمتها تلك مع العالم في قمة مجموعة العشرين في نوفمبر/تشرين الثاني، ما لم تقدم تنازلات مؤلمة وتقبل بحل وسط توافقي يحافظ على مصالح الدول الاخرى بما يأتي على قدر من اهمية الدولار كعملة رئيسية للاقتصاد العالمي من دون ان ينهي دوره تماما .

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"