هل انتهت أزمة منطقة اليورو؟

01:42 صباحا
قراءة 4 دقائق

في العام 2008 بدأت الأزمة المالية المسافرة من الولايات المتحدة تدق أبواب الاتحاد الأوروبي، وفي غضون أشهر قليلة بدأ الإفلاس يهدد دولاً بحالها مثل اليونان وإسبانيا والبرتغال . وكان على الاتحاد التدخل عبر إجراءات فتحت جدلاً واسعاً بين مؤيدين ورافضين، بغرض إنقاذ الدول الأعضاء التي تتخبط في حبائل أزمة راحت تنتشر لتهدد وجود العملة الأوروبية الموحدة . وسال حبر كثير يتوقع خروج اليونان من اليورو وامتعاض ألمانيا التي لم يعد يهمها بقاء الاتحاد النقدي .

مع بداية العام الجاري خيم الهدوء على الأسواق المالية الأوروبية وأخذ سعر اليورو بالارتفاع ليبلغ مستوى قياسياً مقارنة بالدولار الأمريكي والين الياباني . وبدأ الاقتصاديون، الذين سبق وأخفقوا في توقع الأزمة، يعلنون عن حياة جديدة كتبت لليورو وللاتحاد الذي لن يخرج منه أحد، وعن معجزة حققها المصرف المركزي الأوروبي الذي لن يتردد في دعم الدول الأوروبية التي قد تحتاج إليه . باختصار شديد هناك تفاول شديد يسود التحليلات في أوروبا يؤكد انتهاء أزمة منطقة اليورو، فهل هذا صحيح؟ وبأي ثمن؟

قد تكون الأزمة قد انتهت في الأفق المنظور، ولكن لا شيء يمنع عودتها في المدى الأبعد الذي قد يكون سنوات قليلة جداً لاسيما أن دول الجنوب الأوروبي تعهدت الالتزام بسياسات تقشفية صارمة قد تتسبب لها بأزمات اجتماعية وسياسية تجبرها على التخلي عنها في وقت من الأوقات . ثم إن النمو الضعيف سوف يستمر في منطقة اليورو، بحسب توقعات صندوق النقد الدولي: 2 .0% في العام الجاري وواحد في المئة العام المقبل .في حين ان النمو العالمي المتوقع سيكون بنسبة 5 .3 في المئة العام الجاري و1 .4 في المئة العام المقبل . وهكذا فإن منطقة اليورو هي المنطقة الوحيدة في الاقتصاد العالمي التي ستعرف نسبة نمو بهذا الضعف . وسوف تستمر البطالة في التقدم مع مخاطر إفقار مستمر لبلدان الجنوب الأوروبي . هذه الأخيرة تقوم ما بوسعها للبقاء في منطقة اليورو، ذلك أن المشروع الأوروبي سياسي في الدرجة الأولى، ويهمها إنقاذ المشروع السياسي عبر المحافظة على تماسكه والالتزام به . أما عن الارتفاع المفاجئ والقياسي لسعر اليورو، فالسبب أن اليابان والولايات المتحدة وبريطانيا، على سبيل المثال، لا تتردد في تخفيض عملاتها دعماً للتصدير والنمو، في حين أن المصرف المركزي الأوروبي لا يحبذ مثل هذه السياسة . ثم إنه بعد أن غادر المستثمرون اليورو خلال سنوات الأزمة الطويلة فإنهم يعودون إليه بكثافة اليوم، وهذا ما يسهم في رفع سعره .

هل ستخرج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي؟ السؤال يطرحه المحللون في كل أزمة وخلاف أوروبيين، وهو لايزال مطروحاً إلى درجة أن محللين أوروبيين متأكدون من حدوثه، وفي هذا العام بالتحديد . لكن الحقيقة أنه من المهم جداً لبريطانيا أن تبقى في الاتحاد على أن يبقى هذا الأخير مجرد مساحة واسعة للتبادل الحر أي سوق حرة كبيرة . ولندن ستكون جاهزة، ومن داخله، لمنعه من التحول إلى فدرالية سياسية . ولا ننسَ أن لا مصلحة لديها بأن ترى تضاؤل أهمية السيتي كمركز مالي لأوروبا إذا خرجت منها .

لقد ارتكبت أوروبا خطأ عند إصدارها العملة الموحدة من دون وضع ميكانيزمات تضامن وتكافل وتنسيق تؤمن استقرار هذه العملة التي منذ ولادتها أخذت الفروقات الاقتصادية بالاتساع بين دول الشمال التي راحت تراكم الفوائض ودول الجنوب التي أخذت تراكم العجوزات، في غياب ميكانيزم إعادة توازن . كما أخطأت أوروبا بالسماح، انطلاقاً من العام ،2008 للأسواق المالية بالمضاربة رهاناً على انهيار اليورو .كان على المصرف المركزي الأوروبي والدول الأعضاء أن يتدخلا منذ بداية المضاربات ليقولا بوضوح إن الديون العامة لمجموع دول اليورو مضمونة، الأمر الذي كان سيوقف هذه المضاربات . كذلك لاتزال أوروبا تعاني عجزها عن توحيد تشريعاتها الضريبية، الأمر الذي يدفع الأغنياء للهروب إلى الدول التي تفرض ضرائب أقل على الثروات (الحالة الشهيرة هي حالة الممثل الفرنسي جيرار ديبارديو، على سبيل المثال) يدفع الشركات إلى إعلان أرباحها في الدول التي لا تفرض ضرائب باهظة على أرباح الشركات . وفي هذا الملف يختلف الأوروبيون في ما بينهم إذ إن هناك دولاً، مثل بريطانيا وإيرلندا وبلجيكا وبعض دول أوروبا الوسطى والشرقية، وضعت استراتيجيات لجذب الشركات والمصانع عبر تخفيض الضرائب والرسوم عليها . كذلك لاتزال الخلافات الأوروبية قائمة حول سياسات تحفيز النمو والسياسات الاجتماعية والبيئية والمالية وغيرها .

قبل أن يتمكن الأوروبيون من حل هذه الإشكالات فإن العودة إلى الوضع الطبيعي تبدو صعبة .فقد خسرت الاقتصادات الأوروبية عشر نقاط من الناتج الإجمالي الداخلي منذ بداية الأزمة في العام 2008 . وإزاء توقعات النمو القريبة من الصفر للعامين المقبلين فمن أجل استعادة هذه النقاط العشر ينبغي تغيير استراتيجية النمو في أوروبا والتخلي عن سياسات التقشف وتأكيد وحدة العجز العام، وإطلاق برنامج لتحفيز النمو ومشروع مارشال اقترحته النقابات الألمانية، أي أن أوروبا تحتاج اليوم إلى روزفلت أوروبي كما يقول أحد المعلقين .

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

دكتوراه دولة في العلوم السياسية وشغل استاذاً للعلاقات الدولية والعلوم السياسية في الجامعة اللبنانية ومشرفاً على اطروحات الدكتوراه ايضاً .. أستاذ زائر في جامعات عربية وفرنسية.. صاحب مؤلفات ودراسات في الشؤون الدولية باللغتين العربية والفرنسية.

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"