البصمة الوراثية في نفي النسب

02:07 صباحا
قراءة 3 دقائق
قبل أن نتطرق إلى نفي النسب وطرقه ووسائله نتطرق إلى إثبات النسب، وقد ذكر الفقهاء في كتبهم بأنه يحصل ب:

1- عقد النكاح الصحيح وهو المستوفي لأركانه وشروطه الذي تترتب عليه آثار الزوجية من حقوق وأحكام.
2- عقد النكاح الفاسد وهو الذي يختل فيه شرط من شروط الصحة كالزواج بغير شهود أو الزواج المؤقت أو نكاح أخته من الرضاع وهو لا يعلم أو غيرها.
3- الوطء بشبهة كأن يأتي امرأة بالليل في الظلام فيجامعها ظناً منه بأنها زوجته فتحمل في مثل هذه الحالات وما يشبهها يثبت نسب الطفل من جهة أمه ومن جهة أبيه ولا يعد طفل حرام، لأن ما حصل لم يكن زنا أي لم يكن ذلك الجماع الذي نتج منه هذا الحمل بعقد شرعي صحيح، وفي الوقت نفسه لم يكن ذلك حاصلاً بعلم من الرجل بأن التي جامعها ليست زوجته، وأما لو جامعها وهو يعلم أنها ليست زوجته فإنه محض زنا وطفله منها طفل زنا لا يثبت نسبه منه، وقد قال عليه الصلاة والسلام: (الولد للفراش وللعاهل الحجر).
هذا إذا أردنا أن نثبت النسب بالطرق والوسائل الشرعية المتعارف عليها شرعاً، ولكن ماذا لو استعنا بالمختبرات ووسائل الإثبات الحديثة كاستخدام تحليل الحمض النووي (DNA)؟

بالرجوع إلى فتاوى العلماء في مصر والسعودية والمجامع الفقهية، نجد أنهم أجازوا بالإجماع الأخذ بالبصمة الوراثية لإثبات النسب وليس لنفيه، فإذا لم يكن هناك إقرار من الزوجين وما وجدت البينات التي منها حصول الزواج الشرعي أو ما وجد شهود أو عقد موثق فإنه يؤخذ بنتيجة تحليل الحمض النووي في حال الإثبات، ويقول الشيخ محمد النجيمي عضو المجمع الفقهي بالسعودية: «يجوز ذلك لإثبات النسب وليس لنفيه، وللقاضي أن يعتمد فكرة تحليل الحمض النووي بالقياس على المبدأ الفقهي «هذا يشبه هذا».

ويلخص الدكتور أحمد عمر هاشم مدير جامعة الأزهر السابق مسألة استلحاق ولد الزنا في ثلاثة مذاهب:

1- مذهب الجمهور أن ولد الزنا لا ينسب للزاني لأن ماءه هدر ولا يثبت به نسب.

2- مذهب الحسن البصري وابن سيرين أنه إذا أقيم الحد على الزاني وتأكد أنه صاحب الماء ألحق به الولد في النسب، وللتأكد من أنه صاحب الماء إن لم يقم الحد ولم يكن الإقرار فيمكن إثباته بتحليل (DNA).

3- مذهب أبي حنيفة أنه على الزاني أن يتزوج من مزنيته ستراً لها وعليها، ويلحق الولد به حفاظاً من الضياع.

نعم.. ورأى المجمع الفقهي في دورته السادسة عشرة أنه لا مانع من الاعتماد على البصمة الوراثية في التحقيق الجنائي، وهي وسيلة إثبات في الجرائم التي ليس فيها حد شرعي ولا قصاص، وفي مجال النسب تقدم النصوص والقواعد الشرعية على البصمة الوراثية. لكن مع ذلك يرى بعض الفقهاء أنه يجوز الاعتماد على البصمة الوراثية أو الحمض النووي في نفي النسب وفي إثباته ما دامت النتيجة قطعية، ولا يقال: إن اللعان هو الطريق الوحيد للنفي لأن اللعان مشروط بعدم وجود البينة، قال تعالى: « ولم يكن لهم شهداء إلا أنفسهم..» (الآية 6 من سورة النور).

أما إذا وجدت البصمة الوراثية وهي نتيجتها قطعية باتفاق العلماء فلماذا نلجأ إلى اللعان وهو مشروط بشرط؟

يقول الدكتور نبيل أمين استشاري المسالك البولية وجراحة الجهاز التناسلي: البصمة الوراثية والحمض النووي يتميز بأنه دليل إثبات ونفي قاطع بنسبة 99.9%، ويؤيده الدكتور نصر فريد واصل مفتي مصر السابق في أن البصمة الوراثية دليل حسمي قطعي.

أقول: وإنني رغم قلة بضاعتي مقارنة بالعلماء الأفاضل والمجامع الفقهية، أؤيد القائلين بأن البصمة الوراثية أو الحمض النووي دليل إثبات ونفي ولا يتعارض مع اللعان لأن اللعان مشروط بشرط كما قلنا. والقول بأن اللعان منصوص عليه، لا ينفي جواز الأخذ بالتقنية الحديثة، لكن العلماء حفظهم الله تعالى داخل المجامع الفقهية أو خارجها يقدمون التعسير على التيسير والأحوط على الأحوج، وبعد فترة يعيدون النظر فيقرون بعد سنوات، ما لم يقروه قبل سنوات، وفي مثل هذه المواقف تحتاج المجامع الفقهية إلى رجل مثل أبي حنيفة رحمه الله تعالى ليُعمل عقله بدلاً من أن يعطله.

د. عارف الشيخ

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

مؤلف وشاعر وخطيب. صاحب كلمات النشيد الوطني الإماراتي، ومن الأعضاء المؤسسين لجائزة دبي للقرآن الكريم. شارك في تأليف كتب التربية الإسلامية لصفوف المرحلتين الابتدائية والإعدادية. يمتلك أكثر من 75 مؤلفا، فضلا عن كتابة 9 مسرحيات وأوبريتات وطنية واجتماعية

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"