التوسل (1 2)

03:54 صباحا
قراءة 3 دقائق
د. عارف الشيخ

التوسل هو التقرب إلى الله تعالى بطاعته وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم بفعل الطاعات واجتناب المحرمات. ويكون أيضاً بالتقرب إلى الله تعالى بالأعمال الصالحة، كما فعل الثلاثة الذين انطبق عليهم فم الغار والقصة معروفة. ويكون التوسل بأسماء الله الحسنى وصفاته العلا، ولله تسعة وتسعون اسماً بل أكثر كما ورد في أحاديث صحيحة، فلك أن تتوسل بأي منها. ولا يصح التوسل بالأموات ولا بالأصنام، لماذا ؟ لأن التوسل فيه استغاثة، والاستغاثة تكون بالأحياء، وتكون بالأقوى وبالقادر على دفع الضر، قال تعالى: «قل ادعوا الذين زعمتم من دونه فلا يملكون كشف الضر عنكم ولا تحويلا». (الآية 56 من سورة الإسراء). فالتوسل أو الاستغاثة لا تكون بالأموات أو الأصنام مباشرة، ولا يجوز أن نجعلهم وسطاء أيضاً، وإلا فإننا ومشركي قريش تساوينا في الإثم، فالمشركون كانوا يقولون: إننا لا نعتقد أن اللات والعزى قادران على إنزال المطر أو خلق الخلائق، وإنما نعبدهم ليقربونا إلى الله زلفى» وكانوا يعتقدون أن للآلهة شفاعة، مع العلم بأن الشفاعة لا تكون إلا لمن أذن الله تعالى له.
قال تعالى: «قل ادعوا الذين زعمتم من دون الله لا يملكون مثقال ذرة في السموات ولا في الأرض وما لهم فيهما من شرك وما له منهم من ظهير، ولا تنفع الشفاعة عنده إلا لمن أذن له» (الآيتان 22، 23 من سورة سبأ).
إذن لا يصح أن أتوسل أو أستغيث بأي ميت مهما تبلغ درجته ومنقبته، لأن بموته تتوقف قدراته عن النفع والضر، ولو قلنا غير ذلك لأدى إلى الاعتقاد بأن الإنسان يعمل لنفسه وهو في قبره كما كان يعمل وهو حي.
وهذا يتنافى مع حديث الرسول صلى الله عليه وسلم: «إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له». (رواه مسلم).
بل ويتنافى مع قوله تعالى: «ربنا أبصرنا وسمعنا فارجعنا نعمل صالحاً..» (الآية 12 من سورة السجدة) إذ إن هذه الآية دلت على أن الإنسان بمجرد أن يموت، ليس له إلا ما قدم في حياته، وبعد موته لا يقدر على إضافة جديد إلى عمله، ولا يقدر على نفع أحد غيره.
ومن هنا فإن التوسل نوعان: توسل مشروع وتوسل ممنوع، والتوسل المشروع هو التوسل بأسماء الله الحسنى وصفاته العلا والأعمال الصالحة، وبدعاء الصالح الحي. ومما يدل على أن التوسل يكون بالحي لا بالميت، حديث أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه الذي يقول: «كان عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه إذا قحطوا استسقى بالعباس بن عبدالمطلب رضي الله تعالى عنه فقال: اللهم إنا كنا نتوسل إليك بنبينا فتسقينا، وإنا نتوسل إليك بعمّ نبينا فاسقنا، قال فيسقون» (رواه البخاري).
يلاحظ هنا أن عمر قال: «كنا نتوسل إليك بنبينا»، وهذا يعني أن التوسّل بالنبي انقطع بوفاته، ولو كان جائزاً لقال: «يا رب فاسقنا بجاه نبيك» لكنه لم يقل ذلك واستسقى بالعباس لأنه حي بين أظهرهم، ولم ينكر الصحابة عليه ذلك، وسكوتهم إجماع، وإجماعهم مصدر من مصادر التشريع لنا.
ومن التوسل المشروع، أن يتوجه الإنسان إلى الله تعالى بذكر حاله، وفي القرآن الكريم: «فسقى لهما ثم تولى إلى الظل فقال رب إني لما أنزلت إليّ من خير فقير»، (الآية 24 من سورة القصص).
أما التوسل الممنوع فهو كل تقرب إلى الله تعالى بما لم يرد في الكتاب والسنة ولم يفعله الصحابة، ومن التوسلات الممنوعة توسل المشركين بآلهتهم، وكذلك التوسل إلى الله تعالى بذات مخلوق أو بجاهه أو بحقه، أو التوجه المباشر إلى ميت يطلب منه أن يحقق له كذا وكذا، أو أن يقسم فيقول: «اللهم إني أقسمت عليك بفلان أن تقضي حاجتي».
هذه التوسلات منها ما هو شرك صريح، ومنها ما هو ذريعة إلى الشرك، إذ إن الجهال يعتقدون أن فلاناً الولي أو فلاناً الميت قادر على النفع والضر من دون الله تعالى، والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: «من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد» (رواه البخاري).

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

مؤلف وشاعر وخطيب. صاحب كلمات النشيد الوطني الإماراتي، ومن الأعضاء المؤسسين لجائزة دبي للقرآن الكريم. شارك في تأليف كتب التربية الإسلامية لصفوف المرحلتين الابتدائية والإعدادية. يمتلك أكثر من 75 مؤلفا، فضلا عن كتابة 9 مسرحيات وأوبريتات وطنية واجتماعية

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"