مفهوم العقوق

03:50 صباحا
قراءة دقيقتين
د. عارف الشيخ

ورد في اللغة العربية: عق فلان والديه أي استخف بهما وعصاهما وترك الإحسان إليهما، وعقّ رحمه أي قطعها.
ويقول ابن الأثير: عق والده عقوقاً، فهو عاق إذا آذاه وعصاه وخرج عليه، فالعقوق فيه معنى القطع والتمرد والخروج على المألوف.
قال عمر رضي الله عنه: إبكاء الوالدين من العقوق، فما بالك إذن بمن يرفع صوته عليهما، ويشد معهما في الكلام، ولا يعمل بمقتضى رغبتهما؟
حقوق الوالدين جاءت من حيث الترتيب بعد حق الله -تعالى-، وهذا يعني أن عقوقهما أمر خطر؛ لذلك فإن الرسول- صلى الله عليه وسلم- في حديث «ثلاثة لا ينظر الله إليهم يوم القيامة: العاق لوالديه والمرأة المترجلة، والديوث» (رواه الألباني).
وإذا كان القرآن الكريم أوجز الحقوق والعقوق في قوله تعالى «وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا (23) وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا (24)» (الآيتان 23-24 من سورة الإسراء).
إذا كانت الآية أوجزت فإنها اشتملت ضمناً على كل صور الحقوق والعقوق، وينبغي أن نفهم منها بشاعة السب واللعن والتبرؤ من الوالدين، وتقديم الزوجة عليهما، أو تقديم الصديق عليهما، والكذب عليهما، وغيبتهما والتكبر والتعالي عليهما، والتسبب في بكائهما وعدم طاعتهما في ترك المباحات.
ومن شدة حرمة عقوق الوالدين أن الله -تعالى- يؤخر كل الذنوب إلى يوم القيامة إلا عقوق الوالدين فإنه يعجل لصاحبه في الحياة قبل الممات.
يقول الأصمعي: «حدثني رجل من الأعراب قال: خرجت من الحي أطلب أعقّ الناس وأبرّ الناس، فكنت أطوف بالأحياء حتى انتهيت إلى شيخ في عنقه حبل يستقي بدلو ولا تطيقه الإبل في الهاجرة والحر الشديد، وخلفه شاب في يده رشاء ملوي يضربه به قد شق ظهره بذلك الحبل، فقلت: أما تتقي الله في هذا الشيخ الضعيف؟ أما يكفيه ما هو فيه من هذا الحبل حتى تضربه؟ قال: إنه مع هذا أبي، قلت: فلا جزاك الله خيراً، قال الرجل: اسكت فهكذا كان يصنع هو بأبيه».
لذلك فإنني أحذر كل الأبناء وكل البنات من عقوقهم للوالدين، فإنهما مهما يقسوان على الأولاد، فإن ذلك لا يكون مبرراً لاستخدام العنف معهما أو الانتقام منهما، فحق الوالدين مقترن بحق الله -عز وجل-، والله لا يسأل عما يفعل ونُسأل نحن عما نفعل.
ومن المؤكد أن عقوق الأم أشد من عقوق الأب؛ لأن حقها مضاعف كما ورد في الحديث؛ ولذلك فإن الشرع أعطاها حق الحضانة، وفي الحديث «أن امرأة قالت: يا رسول الله إن ابني هذا كان بطني له وعاء، وثديي له سقاء، وحجري له حواء، وإن أباه طلقني وأراد أن ينزعه مني، فقال الرسول -صلى الله عليه وسلم-: أنت أحق به ما لم تنكحي» (رواه الحاكم وأبو داوود).
نعم وما نشاهده اليوم في زماننا من مشاهد العقوق يشيب منها الولدان، وأصعب شيء أن يذهب الرجل بوالده أو والدته إلى دار العجزة أو إلى المستشفى، لا ليجد علاجاً؛ بل لمجرد التخلص من أنينه وطلباته، وربما فعل ذلك بناء على طلب زوجته.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

مؤلف وشاعر وخطيب. صاحب كلمات النشيد الوطني الإماراتي، ومن الأعضاء المؤسسين لجائزة دبي للقرآن الكريم. شارك في تأليف كتب التربية الإسلامية لصفوف المرحلتين الابتدائية والإعدادية. يمتلك أكثر من 75 مؤلفا، فضلا عن كتابة 9 مسرحيات وأوبريتات وطنية واجتماعية

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"