من أين كان ينفق الرسول على أهله؟

01:54 صباحا
قراءة 4 دقائق
د. عارف الشيخ

عندما نقرأ كتب السير نجد أنها تتحدث عن حياة الرسول صلى الله عليه وسلم قبل النبوة منذ أن ولد وإلى أن عاش يتيماً في كفالة جده عبدالمطلب ثم كفالة عمه أبي طالب.

ونقرأ أيضاً أنه عاش فقيراً وكان يرعى غنم أهل مكة على قراريط كما ورد في كتب السير، وعندما بلغ مبلغ الرجال خرج في تجارة للسيدة خديجة بنت خويلد رضي الله تعالى عنها التي كانت غنية ورأت في محمد صلى الله عليه وسلم أنه أهل للتجارة فبعثته إلى الشام مرتين فعاد بربح وخير كثير، وكانت نتيجتها أنها أعجبت بأمانته وحسن تصرفه فتزوجته وأصبحت زوجته الأولى وأم بناته الأربع وابنيه القاسم وعبدالله.
إذن من غير شك أنه عليه الصلاة والسلام كان قبل النبوة يعمل في التجارة ويأكل من كسب يده، وهكذا كان الأنبياء عليهم الصلاة والسلام من قبله يأكلون من كسب يدهم، وقد روي أن نوحاً عليه السلام عمل في النجارة، وداوود عليه السلام عمل في الحدادة وموسى عليه السلام رعى الغنم وعيسى عليه السلام مارس الطب وهكذا.

ولذلك فإن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يشجع أصحابه على أن يأكلوا من عمل أيدههم، ففي صحيح البخاري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (ما أكل أحد طعاماً قط خيراً من أن يأكل من عمل يده، وإن نبي الله داوود كان يأكل من عمل يده).

وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (كان زكريا نجاراً).

أقول: إذا كان عليه الصلاة والسلام أثنى على الأنبياء من قبله وأثنى على صحابته لأنهم كانوا يأكلون من كسب أيديهم، فهو من غير شك كان القدوة لمن بعده وكان يأكل من كسب يده لكن كيف؟

في الحقيقة أن الكتب لم تتحدث كثيراً وبشكل واضح عن عمل الرسول صلى الله عليه وسلم وعن مصادر دخله قدر ما تحدثت عن رسالته ودعوته.

فالرسول صلى الله عليه وسلم بعد أن بعث نبياً لم يكن يتفرغ لأي عمل أو تجارة كما كان يفعل قبل النبوة، ولكن السؤال الذي يطرح نفسه وقد سئلت أنا مثل هذا السؤال أكثر من مرة، فقيل لي: من أين كان الرسول صلى الله عليه وسلم ينفق على نفسه وبيته وأهله؟

فقلت لهم: السؤال وجيه، وإنني بعد البحث وجدت أنه كان يبيع ويشتري أحياناً فقد ورد في صحيح البخاري أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال لجابر: أتبيعني جملك؟ قال: نعم، فاشتراه منه بأوقية.

وكذلك نقرأ في قصة الهجرة أن أبا بكر رضي الله عنه قال: يا رسول الله إن عندي ناقتين أعددتهما للخروج فخذ إحداهما قال أبو بكر: فأخذها بالثمن (رواه البخاري).

وورد عن جابر أيضاً أن رجلاً أعتق غلاماً له عن دبر فاحتاج، فأخذ النبي صلى الله عليه وسلم فقال: من يشتريه مني؟ فاشتراه نعيم بن عبدالله بكذا وكذا فدفعه إليه ثم باع الرسول صلى الله عليه وسلم ذلك المدبر (رواه البخاري).

وورد أيضاً عن عبدالرحمن بن أبي بكر قال: كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم فجاء رجل مشرك مشعان طويل بغنم يسوقها، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أبيعاً أم عطية؟ أو قال: أو هبة؟ قال: لا بل بيع، فاشترى منه شاة (رواه البخاري).
إذن نفهم أنه كان يأكل من تجارته أحياناً، ويأكل أحياناً من سهمه من الغنائم والفيء، لأن الغنيمة كانت تقسم إلى خمسة أقسام: أربعة أسهم للمجاهدين وسهم واحد لله ولرسوله ولذوي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل.
بخلاف الفيء (مال يؤخذ من الكفار من غير قتال) فكان يقسم إلى خمسة أقسام: أربعة منها للنبي، والخمس الباقي سهم للرسول والباقي لذوي القربى (بنو هاشم وبنوعبد المطلب) ولليتامى والمساكين وابن السبيل.
ولم يكن دخل الفيء قليلاً، فقد ورد في صحيح البخاري: كانت أموال بني النضير مما أفاء الله على رسول مما لم يوجف المسلمون عليه بخيل ولا ركاب، فكانت لرسول الله خاصة، وكان ينفق على أهله نفقة سنة ثم يجعل ما بقي في السلاح والكراع عدة في سبيل الله (الكراع اسم لجميع الخيل).

وذكر ابن هشام في السيرة النبوية (ج 4 ص 325) باباً وذكر فيه ما أعطى الرسول نساءه من فتح خيبر، حيث قسم لهن مئة وثمانين وسقاً، ولفاطمة بنته خمسة وثمانين وسقاً، والوسق ستون صاعاً.

ومعروف عنه عليه الصلاة والسلام أنه كان لا يأكل من الزكوات والصدقات، ولكنه كان يقبل الهدايا والهبات، وقد قال في حديث: (لو دعيت إلى ذراع أو كراع لأجبت) (رواه البخاري) والكراع مستدق الساق العاري من اللحم.

وفي البخاري ورد أيضاً عن ابن عباس قال: أهدت أم حفيد خالة ابن عباس إلى النبي أقطا وسمناً وضباً، فأكل النبي من الأقط والسمن وترك الضب تقذراً.
وأعتقد أن الصورة وضحت الآن، وعرف مصدر دخل الرسول صلى الله عليه وسلم وهو التجارة الخفيفة والغنائم والفيء والهبة والهدايا، وإذا قال السائل بأن ما ذكر قليل لا يكفي، قلت: لم يكن الرسول صلى الله عليه وسلم وأهله همهم الأول والأخير الأكل كما هي الحال عندنا.
وكان الزهد والتقشف والتفرغ للدعوة والعبادة هو الهدف الأسمى، لذلك فإنه كان يشد الحجر على بطنه من الجوع، ولم تكن النار توقد في بيته بالأشهر، أي: لا يوجد ما يستدعي طبخه.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

مؤلف وشاعر وخطيب. صاحب كلمات النشيد الوطني الإماراتي، ومن الأعضاء المؤسسين لجائزة دبي للقرآن الكريم. شارك في تأليف كتب التربية الإسلامية لصفوف المرحلتين الابتدائية والإعدادية. يمتلك أكثر من 75 مؤلفا، فضلا عن كتابة 9 مسرحيات وأوبريتات وطنية واجتماعية

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"