إبراهيم محمد ورمزية التأويل

00:01 صباحا
قراءة 3 دقائق
الدخول إلى عوالم قصيدة الشاعر إبراهيم محمد إبراهيم تحتاج إلى العودة للزمن الذي يسبق غياب الملح، وهو ما يجعل قراءة ديوانه الجديد «ما بعد فساد الملح» تدور حول النص بحركيته التي تحتاج إلى التوقف والتأمل، فنص الشاعر مشحون بالكثير من الهموم التي استوطنت البحر وذاقت ملحه لتتهيأ لرحلة لم تبدأ بعد، فإلى أين ومتى تتحرك هذه التأويلات الشعرية التي تحاول إغراق نوق النعمان في الصحراء؟، وما الطريق الذي ستسلكه المشاعر للوصول إلى التل وهي محملة بوجع الذكرى وتراتيل الليل وأعاصير الفكر والخروج من جدلية الحب والدخول إليه؟.
إبراهيم محمد إبراهيم في هذه المختارات ينطلق في رحلة صيد للفكرة، يجمع كل ما من شأنه خدمة ما آلت إليه المشاعر ضمن مرحلة زمنية، لتعبر عن تجربة عميقة بلغة رشيقة على الرغم من رمزية فكرتها والتي تشير إلى تعدد الرؤى حول ماهيتها، فهو يوظف المرأة الوطن بصورة مجازية تلتحم بالواقع وتنسجم معه ليرسم رؤاه وآفاقه في صمت يجاهر به فتفضحه العيون، ويقرأ أهازيج البحر ويثرثر في أسواق الأفواه التي لا تحتملها أيامه الطويلة، ويقول في أحد مقاطع قصائده:

يومُك يا إبراهيمُ طويلٌ/ والحفرة حمراءٌ كلسان الطير/ وصدرُكَ عارٍ/ إلا من وشي أناملِها

هذه السيدة التي يحاورها فنجانها وهو يصلي للغيم ويهمس لها:

فنجانُك بين الفرع المائلِ والموقدِ/ يدعوكِ إليه/ يتوسُّلُني/ ألا أرفعَ أشرعتي قبلَ مجيئِكِ/ فالريحُ شمالٌ/ ورجالُ البحرِ قليلٌ

إبراهيم محمد هو الشاعر الذي يحاول الدخول إلى الحب والخروج منه في آن، فماذا يرى من خلال هذا التضاد، وما الذي سوف تكشفه ممرات الرحيل الطوال؟:

على مقعدِ الطائرةْ/ خلتُ هذا النفيرَ القيامةَ/ من أين جاؤوا/ إلى أين يتجهون/ وكيفَ أنامُ على غيمةٍ/ كنتُ أحلمُ ألا أكونَ وحيداً بها؟

إن شاعرنا يكتنز المعنى ويرسم صورة اللامعقول بنبرة تحيل الكون إلى مواجد عارمة من الشجن الجميل، وهو ما يظهر بجلاء أسلوبه الشعري الرمزي الذي يطرحه شاعراً يمتلك خصائصه الفنية بصورة مغايرة عن أبناء جيله فهو يمتلك القدرة على إبراز المعنى وتجسيد الصورة وحشد الخيال بما يعبر عن طاقة شعرية خلاقة، إذن هو الشعر، وهو هذا الشغب الذي يجتاح الكلمة ويجعلها في تشظٍّ ويفتح لها أبواباً كثيرة من التأويلات، ويبقى للملتقى هذا اللون من الشعر المختلف الذي يسكننا في براءة وجمال، ليأتي هذا الإصدار ضمن حصول الشاعر على جائزة الشارقة للشعر العربي في دورتها السادسة «شخصية مكرمة» خلال مهرجان الشارقة للشعر العربي في دورته 15 عام 2017 الذي انتهت فعالياته مؤخراً، والشاعر إبراهيم محمد إبراهيم عبر من خلال دواوينه السابقة عن روح المغامرة، وفي هذا الديوان يسافر إلى عوالم خصبة من الإبداع الشعري فهو من الشعراء الإماراتيين الذين أسسوا لأسلوب شعري ينهل من معين تجربة شعرية ثرية تحافظ على وجوده وسط التيارات الشعرية في الساحة العربية، لكن هذا الديوان يحمل روح إبراهيم محمد إبراهيم، وإخلاصه للشعر وعدم خشيته من المشي على أشواكه الكثيرة، مما يرسخ لمكانته كواحد من الشعراء المتميزين في هذا العصر.

وأختم بهذا المقطع الذي يعبر عن شاعرية متفردة تشف عن جمال ووعي الشاعر بالكلمة المبدعة

صوتُ نافورةِ الليلِ يكفي/ قليلٌ من الضوءِ ينسابُ/ من شُرْفةِ السّاهِرينَ هنالكَ يكفي/ وبعضُ الوُرَيقاتِ،/ بعضُ المِدادِ بهذي اليراعةِ يكفي/ وما يتبقّى من الصّحْوِ/ في آخِرِ الليلِ يكفي../ لتُبحِرَ أشرِعَتي في الكلامِ،/ سأعْبُرُهُ والنوارِسُ نائمةٌ/ أيُّها البحرُ/ ليس سواكَ هُنا/ والظلامِ/ وسِحْري

محمد عبدالله البريكي
[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"