العيد.. هدنة الرصاصة مع قطعة الحلوى

01:37 صباحا
قراءة 3 دقائق
محمد عبدالله البريكي
الشمسُ والكلمة تترافقان في هذا اليوم، وتغسلُ كل منهما وجهَها بالفرح، وتفتح عينيها على البهجة، وتكشفان عن فتنة جديدة وزينة فريدة، فالعيد جاء ليعلن عن اجتماع تحت مظلة الإنسانية الهاربة من لهيب الحروب ومشقة العيش ورتابة الحياة.
العيد صرخة طفل جاء إلى الحياة ليرسم لوحة نابضة بالابتسامة على وجه أمّ أضناها تعبُ حمله ومعاناتها، وهو في رحم انتظارها وكنف حنانها، والعيدُ بكاء لهفة ودمعة فرحة ترتسم على وجه أب قلبه يخفق وهو يتلقى البشارة ويصافح تلك الشفاه التي تتغنى بكلمة «مبروك».
العيد تلك الابتسامة التي تقف بثقة أمام خيط النور لتشكّل منه صورة امرأة تختال بفتنتها، وترقص في قدح عاشق أوصلته اللوعة إلى رؤية صورة حبيبته على لجّة الهيام.
العيد هدنة تعقدها الرصاصة مع قطعة الحلوى، والحرب مع الحب، والخنجر مع الوردة، لتعود النفس إلى صفائها والروح إلى فطرتها، فالحياة وهي بعيدة عن نور السلام نفق لا يعلو فيه أيّ صوت على الظلام.
العيد يتجاوز فكرة الثياب الأنيقة، والابتسامة الرشيقة، والاجتماع في صعيد واحد، فهو حمامة سلام تحمل في جناحها وردة وغصن زيتون، هو أمومة الغيمة التي تسقط حنانها على بنتها الأرض، وتضمها بشغف الماء لتصعد مع هذا المعنى أغصان الصفاء وتكبر ثمار البقاء.
العيد كف حاكم تصافح الشعب فتشعره بقيمة الأبوّة، ويلمس في كف شعبه دفء الحب وأهمية الولاء، هو ابتسامة على وجه غني يقابل فقيراً فتسقط كل جدران العزلة ويتوازن الشعور، هو رسالة إلى كل محروم من الأمان حين يسبق السلام الكلام، لكي تتقدم الابتسامة على الغضب وآلامه، والأمن والطمأنينة على الخوف والضغينة، هو مسح دمعة من عين أمّ، أو أب، أو ابن، أو زوجة، فقدوا غالياً، وفازوا بشهيد.
العيد يأخذ قيمته من خلال مدلوله ومعناه، فهو رسالة التغيير الذي تستلهم منه الأمم قيمة الصبر على الوقت للوصول إلى التغيير، وأن التعايش والتآخي ضرورة من أجل أن تستمر عجلة البناء في الرقص على ساعات الأمن، هذه العجلة التي تلبس ثوبها الجديد، وتتعطّر لتقابل الصباح، وتأخذ بيده في مشهد روحاني إلى محراب العبادة ووطن السعادة، ويتجلى هذا المشهد في تلاحم اجتماعي ولقاء فطري يتناسى فيه الجميع الألم، ويستقبل الحياة بالحلم فتصفو الروح وتشفى الجروح وتتجدد الأواصر، ويطوي الحزن صفحته الكئيبة في المشاعر، فما أحوج الأمم إلى أن تتعلم معنى القيادة وهي تجلس في خشوع وسكينة، وتصطف كالبنيان المرصوص وهي تردد التكبير في صوت واحد لتعلن إيمانها الذي لا يتغير، بأن الكون لربّ واحد، وأن المكان لا يضيق بالنفوس الُمحبة للحياة.
ليس العيد إلا ممارسة روحيّة متجدّدة، وعادة تمارسها الروح وتتعود عليها في فعالية أسبوعية تتشكل فيها لوحة الإخاء وتتلون باللقاء لتكون رافداً لكرنفال سنوي تتراقص فيه نجوم الفرح وتغني فيه طيور الخلود، ويخرج فيه الطفل وهو يحلم بقطعة حلوى، والمرأة وهي تثبت للأرض أنها صانعة المجد وشريكة النجاح، والرجل وهو يحمل مشعل الكفاح بهمة عالية تصعد الجبال لترفع فوق جرفها راية الجمال، فهذا الاجتماع يخرج الناس من عزلة الحزن، ووحدة الانكسار، إلى فضاء يحلق فيه الطموح كصقر يفرد جناحيه بخيلاء، وثقة، وانتصار، فينسى المريض مرضه، والفاقد فقده، والحزين حزنه، ويوقف الزمن عقرب الهموم، كأن يوم العيد هو البيت الكبير الذي تلتقي فيه الأسرة، وتجتمع على طبق واحد، وتتذكر أن هذا البيت هو الذي أعلن عن الفرحة الأولى التي اجتمعت معها دمعة الأب المبتسمة، مع وجع الأمّ اللذيذ، وأن الإنسانية لا تحقق آمالها إلا إذا علمت أنّ الكون يسع الجميع، وأنّ الإنسانيّة هي صوت الحياة، ونبض البقاء، وليت العيد يأخذ مني هذه الوردة ويوزع عطرها على الإنسانية وهي منشغلة بتبادل عبارة «كل عام وأنتم بخير»:
‏العيدُ صرخةُ طفلٍ جاءَ فابتهجتْ
                     أمٌّ ووالدهُ يبكي من الفرحِ
العيدُ ضحكتُنا والشّمسُ تعلنُها
                    كأنَّها امرأةٌ تختالُ في قَدَحي

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"