روح المغامرة

00:26 صباحا
قراءة 3 دقائق
إن أول آية نزلت في القرآن كانت تحث على القراءة، وهو ما يدل على أن حياة الإنسان بلا قراءة لا قيمة لها، ومع مرور السنوات وتغير الأزمان والأجيال أصبح من العسير التحكم في بناء الشخصية على أسس معرفية محضة، على الأقل في هذا الزمان نظرا لغزارة وسائل العلم، وعلى الرغم من الثورة العلمية التي نعيشها في هذا العصر، فإن الكثير من أبناء هذا الجيل ينظر إلى قضية الاطلاع والقراءة بشكل سطحي، فبعضهم يرى مثلاً أن قراءة المواقع الإلكترونية الإخبارية هو نوع من القراءة، وأن الاشتراك في مدونات فكرية وشعرية وعلمية واجتماعية، هو نوع من اكتساب الثقافة بمعناها الواسع، إذن الاعتماد على التكنولوجيا أصبح هو المسيطر الأول على عقول الشباب، فيتزودون عبر وسائل التواصل الاجتماعي والإنترنت ببعض المعارف القليلة، وهذا لا يغني عن مطالعة الكتب والصبر على إتمام حلقتها حتى يكون الناتج هو بناء عقول تعتمد على الاطلاع من أجل التثقيف والتميز والمعرفة وملء جوانب التخصصات التي يندمج فيها أفراد المجتمع.
للأسف أرى أننا نعيش في قطيعة معرفية، فقد أصبح الجفاء مع الكتاب في أوجه، وفي هذا العصر يحمل معظم الشباب أجهزتهم الذكية في كل مكان، في المقاهي، في العمل، في المنزل، فهي المصدر والمحرك الرئيسي لهم، فيظن بعضهم أن مواقع التواصل الاجتماعي بما تقدم من أخبار ومعلومات، والإنترنت بوجه عام بما يحمل من معلومات ثرية، أن كل هذه الأشياء تغني عن القراءة في الكتب الإلكترونية والورقية، لذا فإن تعديل المفاهيم المتعلقة بالقراءة تحتاج إلى وقت وإلى جهد وبذل، لأننا من دون القراءة والتزود المعرفي، سنعيش إفلاساً روحياً وعقلياً وفكرياً، والمهمة تتوزع على طبقات المجتمع والمؤسسات التعليمية والأسرة والإعلام بوسائله كافة.
أعتقد أن كل الظروف في هذه المرحلة تصب في مصلحة الجيل الجديد، الذي ينعم بفرص جوهرية وغير مسبوقة تاريخياً من خلال اهتمام الدولة بالمعرفة الإنسانية بوجه عام، والتأكيد في كل مناسبة أن القراءة هي الغذاء العقلي الذي لا يشبع منه الإنسان وأنها النهر الذي يغمر الروح ويحفز كل جوانبها، فضلاً عن المبادرات التي تتبناها الدولة، فقانون القراءة الذي صدر هذا العام من قبل صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الدولة، حفظه الله، يضع أطراً تشريعية وبرامج من شأنها أن ترسخ قيمة القراءة، وأن توحد الجهود من أجل أن يكون الاستثمار الحقيقي في العقول، والإمارات بهذا القانون تعد نموذجاً ملهماً لكل دول المنطقة فهي تأخذ بكل أسباب التقدم، وتنشئة الجيل الجديد على القراءة من شأنه أن يصنع المفكرين والعلماء والأدباء.
من المعروف أن الأمم لا تبلغ من المجد شيئاً إلا إذا كانت تقرأ، أعطني كتاباً حتى أمنحك خلاصة تجربتي وتجربة غيري، أعطني كتاباً حتى أعرف أفكار غيري وأحاول أن تكون لي أفكاري الخاصة، ويجب أن نربي أبناءنا على سلوكيات القراءة، خصوصاً وأن أبناء الجيل الماضي يمتلكون روح المغامرة ولهم تجارب ثرية مع الكتاب وقد خرجت الكثير من المبادرات التي تعمق وترسخ قيمة الكتاب في كل إمارات الدولة حتى تتسع رقعة العلم، بل إن هناك برامج تلفزيونية ومسابقات دولية ومحلية ومشروعات ثقافية اختمرت في الإمارات، وأثمرت وأينعت، وهو ما ينبىء بأن القادم سيكون في مصلحة جيل يقرأ في أمة تقدر قيمة القراءة وتدرك أهمية الكتاب.
محمد عبدالله البريكي

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"